الإرهاب التّكفيري… والخطر على مستقبل الأديان…!
بقلم/ مصطفى قطبي:
المتابع لما يجري في المنطقة العربية يلاحظ، أنّ ثمة نيراناً طائفية ولكنها ليست حتمية، إنما بفعل فاعل، أنى اختفى هذا الفاعل خمدت ألسنة النيران… هذه جرائم إحراق متعمدة يضرمها قادة متنوعو الوجهات الجغرافية، وأن جمعهم ضيق وقصر النظر سياسياً واقتصادياً وأمنياً. يحاولون الباس المنطقة منطق صراع مغاير لواقعها الحقيقي من أجل التأثير عليها في صميمها، باعتبار المفهوم المذهبي أداة تفجير خطيرة. فإذا ما انفجر الوضع على هذا الأساس فلن يبقى من الأمة ما يذكر بها لاحقاً. وهذا يستوجب جعل الدين الذي نؤمن به ينقسم، ويصطرع بمذاهبه.
لقد تقرّر لنا نحن العربَ ـ باسم فئة منا مسلمةٍ مثلنا ـ أن نفهم بأن ”إسرائيل” ليست عدوّنا التاريخي؛ بل عدوّنا مَنْ يعمل على تحريرنا منها. وأن ”إسرائيل” عاملُ تخليصٍ لنا من مذاهبنا السياسية التي تعكس مشاريعنا، ورؤانا الوحدوية لكي ندخل في سياسات الحروب المذهبية. ولم يعد مقبولاً فينا عالم سُنّي يتحدث عن الإسلام الربّاني السمح، كما لا يجوز أن يبقى بيننا عالم شيعي ينطلق من وحدة المذاهب الإسلامية، ووحدة الدين والتديّن بالطرق المختلفة إلى الله. ويجب ألا تتعايش الأديان على أرضنا العربية، والمسيحيون يجب أن يُهجّروا.
فلا مذاهب سياسية مقبولة لنا نحن العرب اليوم، بل المقبول الوحيد لنا هو سياسات الحروب الطائفية، والدينية حتى نموت جميعاً، ويتخلّصُ الحلف الصهيو ـ أميركي من الفوائض البشرية التي تُسمّى العرب. وللأسف المأسوف عليه، فإنّ عديدين من الفقهاء لا يقرؤون مخططات الأعداء عن تدمير قوات كافة الدول العربية التي تشكل خطراً أو قد تشكل خطراً على ”إسرائيل”! لم يقرؤوا مخطط ”برنارد لويس” عن تفتيت الدول العربية إلى 42 دويلة مذهبية، طائفية، إثنية متحاربة فيما بينها لتغييب صورة الصراع التناحري مع العدو الصهيوني، كمظهر للصراع الأساسي في المنطقة!
وكان زبجنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر، قد أسَّس نظريًّا لسياسة ”التفتيت الطائفي والمذهبي والعرقي” للدول العربية، داعياً الرئيس كارتر إلى التغيير في الشرق الأوسط بما يجعل اتِّخاذ الطائفة والمذهب هوية للناس في البلاد العربية أمراً ممكناً وسهلا؛ أمَّا كيسنجر فتحدّث عن أهمية وضرورة جَعل العالم العربي ”أقليات” من طريق تمزيق دوله دينياً وطائفياً ومذهبياً، وإقامة إمارة عند كل بئر نفط؛ فهذه الطريق هي عينها الطريق إلى ”إسرائيل العظمى”. هذا المخطط القديم/الجديد، يأخذ في كل مرة ظواهر مختلفة لكنه لا يحيد عن الجوهر، ولعل من استولد التنظيمات الارهابية من ”داعش” و ”النصرة” وأخواتهما، هو من يعمل اليوم جاهداً من أجل سيطرتها على المنطقة لكي تكون البديل للمقاومات القائمة، وبالتالي هي في خدمة إسرائيل لأنها تحقق لها مشروعها التاريخي الذي عجزت عن تحقيقه بقوتها الذاتية أو عبر كل المساعدات التي قدمت لها.
فبعد الجيل الأول من الإرهاب المتمثل في تنظيم القاعدة والذي من خلاله حورب الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان، وبذريعته احتل الصهيو ـ أميركي هذه الدولة، وبذريعته مورس التدخل السياسي والعسكري في اليمن والسودان والعراق وغيرها، وبذريعة محاربة هذا الإرهاب حورب الإسلام، وبذريعة تجفيف منابعه منعت كل أشكال التعاون والتكافل الخيري، وتحديداً دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته، وجميع حركات التحرر العربي المقاومة للاحتلال الصهيوني، وبذريعة محاربته ظلِمت دول وحوصرت وعوقبت، وأوذوا أبرياء لا لشيء سوى لمواقفها ومواقفهم الواضحة والشجاعة من الظلم والاحتلال الصهيوني، والازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين الأميركية، ها هو الحاكم بأمره (الصهيو ـ أميركي ـ الخليجي) يقدم آخر ما في جعبته وخزائن إنجازاته الخبيثة والمتآمرة ألا وهو الجيل الثاني من الإرهاب المتمثل في تنظيم ”داعش” الذي عمل على تربيته وتسمينه في العراق، ومثلما عمل على نشر جيله الأول في أصقاع العالم والمنطقة، وتوظيف فزاعته لدى الدول المستهدفة لابتزازها، يواصل نشر جيله الثاني ”الداعشي” في كل شبر من المنطقة والعالم، موظِفاً أيضاً فزاعته من أجل الابتزاز والاحتيال على النحو المشاهد من فتح خزائن البترودولار بحجة ردع هذا المارد ”الداعشي” وإبعاد خطره، في الوقت الذي تدور فيه تروس مصانع السلاح الصهيو ـ أميركية والغربية بأقصى سرعتها تحت كذبة دعم (المعارضة المعتدلة).
وبعد الاعتقاد بأن هذا الجيل الثاني ”داعش” وبموازاة أخواته من ”النصرة إلى الجيش الحر والجبهة الإسلامية وأحرار الشام و ”جيش الفتح” وغيرها يمكن التعويل عليه في تحقيق الأهداف والأجندات في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا، وبالتالي يتبقى مسرحان للعمليات أمام هذا الجيل الثاني وهي مصر والجزائر، وبذلك تكون المنطقة ـ حسب العقل المخطط للصهيو ـ أميركي ـ قد اكتملت فيها مشاهد الفوضى الهدامة والإرهاب التي حرص على تغذيتها بالفتن الطائفية والمذهبية.
نعم هناك مشروع استعماري يهدف إلى إرجاع العالم العربي قروناً إلى الوراء، من أجل تحقيق ثلة من الأهداف… ومن أبرزها: حفظ أمن الكيان الصهيوني وتحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة على المنطقة. هذه التنظيمات لم توجد لتحرير فلسطين بالطبع، ففلسطين آخر همها، لذا لم ولا ولن تطلق هذه الجماعات طلقة واحدة باتجاه العدو الصهيوني… ونتحداها أن تطلق طلقة واحدة باتجاه الكيان، الذي يستقبل جرحاها في مراكز علاجية أنشأها خصيصاً منذ بداية الأحداث في سوريا، ثم يقوم بنقلهم إلى مستشفياته في الوقت الذي يقتل ويذبح ويشوي حرقاً أطفالنا؟!
ولإثبات الصراع على أسسه الحقيقية التي تنطلق من مفهوم مشروع، نقرأ في خارطة المنطقة، فما يجري في سوريا لا تتشكل في داخله على الإطلاق مفاهيم مذهبية، يتركز الصراع بين عصابات تكفيرية يعتدون على دولة قائمة، وهذه العصابات وعاء للصوص وهاربين من الجندية ومتآمرين سابقين هربوا من السجون أو كانوا فارين من وجه العدالة وبعض الفارين من خدمة العلم إضافة إلى مجاميع إرهابية تكفيرية من دول مختلفة غير مرغوب بها في بلادها لأسباب متعددة منها جرمية… صراع حولته دول قادرة مالياً إلى ما تسعى إليه من تغيير الدولة والنظام، فأنشأت لها أذرعاً منظمة على الطريقة الفاشية، أي مرتبطة برأس مدبر يعرف مسار الأمور ويدير المعارك بمعرفة وحرفة. وفي سوريا أيضاً من يقاتل لتقسيمها ولتدمير ما تبقى من قوة لها بصورة لا تقبل تفسيراً سوى التآمر عليها في وقت المحنة… وفي سوريا ما يسوِّغ أموراً وضدها مما يدمي الشعب ويكرِّه الناس بالحياة جراء ممارسات وأوضاع لا يطيقها الإنسان… وكل ذلك يصب في إضعاف الدولة، وتمزيق المجتمع، وإضرام نار الفتنة بصورها وأشكالها المذهبية والعرقية والطائفية و…؟!
في العراق يحاولون الإيحاء بقوة الدفع الخارجي أن ما يجري صراع مذهبي من أجل إعطائه تسمية سموم، لكن الحقيقة تقول أن حقيقة هذا الصراع قائمة على قواعد سياسية ومنضبطة على صراع مشروعين أيضاً متكرسين من الخارج ومنقادين بقوى داخلية. ولا يكاد يختلف الوضع في اليمن كثيراً عنه في العراق وسوريا من حيث الاصطفافات المذهبية على الخصوص ومخاطرها، فهناك في اليمن يأخذ خروج الحوثيين على الدولة وإحكام قبضتهم عليها، صبغة مذهبية، شيعية سنية، على الرغم من وجود شركاء آخرين للحوثيين في خروجهم ذاك.
وفي اليمن أيضاً كما نعرف أماكن وقواعد للقاعدة ولداعش، وفيه مواجهات بين القاعدة والجيش اليمني منذ سنوات، وكل ذلك أصبح اليوم يؤطر لحرب تصب في الفتنة المذهبية، السنية الشيعية، تقودها السعودية ودول التحالف في عاصفة الحزم.
وفي لبنان، تشتعل محاور الصراع ثم تنطفئ، ولا يبدو أنها قابلة لأخذ الصورة التي يتوخى البعض قيامها.. إن عناصر المذهبية متوفرة في هذا البلد الصغير، لكنها غير قابلة للاشتعال مهما حاول الفاعلون إضرام نارها. ثمة مشروع واضح يقوده المشروع الأكبر المؤسس في المنطقة (السوري الإيراني العراقي مغطى بالروسي)… وفي مصر ليس هنالك من ذكر للمذهبية، صراعها منذ أن بدأ هو تغيير النظام، وحين رحل حسني مبارك تحولت إلى قواعد جديدة ما لبثت أن ثبتت على حكم الإخوان المسلمين، ثم جاء وقت اقتلاعه فظل الصفة الحاكمة للصراع بين مشروعين داخلين محكومين بتداخلات خارجية كالعادة. وفي تونس، تتكرس مفاهيم الصراع بين مشروعين لا وجود للمفهوم المذهبي بينهما… وفي ليبيا يستمر الانقسام، وتستمر الحرب المجنونة، وإحراق الذات بالذات، وتتواصل الاتهامات وتتفاعل، وتتضاعف صور الانفلات وأشكاله وألوانه، فيصبح هناك من يُحسَبون على الإرهاب، ومن يبايعون داعش، ومن يخوضون حرباً ضد الإرهاب، وأخرى تعلن عن رغبة في تقسيم ليبيا إلى دويلات، وهناك أيضاً من يخوضون جهاداً لإعلانها دولة إسلامية.. وفيها من يمارس أفعالاً تؤدي إلى إثارة فتنة طائفية بوحشية دموية كريهة لا أظنها تتم من غير تحريض أو تطرف أعمى…
ويضاف إلى كل هذه الأفعال المأساوية، مما سبقت الإشارة إليه هنا، وإلى الظروف التي تخلقها والتفاعلات التي تتم بسببها في الدول والمجتمعات العربية والإسلامية، ما كان من أسباب ودوافع لها ومحرضات عليها، ومن دعم وتمويل وتحريض وتجييش… مما أسس ويؤسس لانقسامات اجتماعية عميقة وخطيرة، وإلى اصطفاف وتحشيد مذهبيين، وإلى تشكّل مفارخ وحواضن للفتنة ”سياسية وثقافية وإعلامية واجتماعية ودينية…”… وكل ذلك يخلق مناخ الحرب/ الكارثة ويفتح باب الاحتمالات على مصراعيه أمام انتشارها الكبير، وبصورة لا يمكن التحكم بها.
ومن الأمور اللافتة في هذه الأوضاع والظروف والكاشفة لإمكانية مسارعة دول عربية، تعمل تحت إمرة غربية، إلى دخولها بحميَّ التبعية واستعمال لأسلحتها بثأرية قبلية ذات أبعاد سياسية استرضائية للغرب أولاً ولمن عداه ممن يهمها أمرهم ثانياً… على حساب كل صلات قد تربطها بغيرها من الدول والمجتمعات العربية، وعلى حساب ما قد يستنفر الأنفس أو يتخمّر فيها من عداوات وشرور تُزرع وتُروى وتُرعى فتثمر خراباً وموتاً… وذلك نتيجة للاستغلال الشعبي الذي تمارسه أجهزة وجهات مختلفة تحت ذرائع وتفسيرات شتى… ومن ثم يؤدي ذلك إلى صراعات وعنف وإرهاب وانعدام ثقة وتقطيع أواصر وعلاقات دينية وتاريخية وقومية، مما لا ينجو معه الأبرياء خصوصاً من دفع الثمن الفادح في الحروب والصراعات السياسية والمذهبية، الباردة منها والساخنة والدامية.
وفي هذا السياق، فقد اعترف نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في خطاب له أمام طلاب في جامعة هارفارد يوم 2 تشرين أول/ أكتوبر الماضي، بأن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، قدموا ”مليارات الدولارات وعشرات الآلاف من أطنان السلاح ”للمقاتلين ”السنة”! الذين يحاولون الإطاحة بحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. وقال بايدن إن ”مشكلتنا الكبرى كانت حلفاءنا في المنطقة… كان همهم الوحيد إسقاط بشار الأسد، لذلك شنوا حرباً بالوكالة بين السنة والشيعة، وقدموا مئات الملايين من الدولارات، وآلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يقبلون بمقاتلة الأسد”.
لقد وضّح نائب الرئيس في اعترافه مسألتين رئيسيتين، الأولى هي: أن حلفاء بلاده وركائزها في سياساتها وخططها في المنطقة، شاركت في حرب دموية لإشاعة عدم الاستقرار وإثارة النزاعات والصراعات في المنطقة. وأن المسألة الثانية: وهي الهدف من كل ما جرى هو تكريس الحروب بين الطوائف والمذاهب الدينية، وبخاصة بين طائفتي السنة والشيعة بين المسلمين، وهو الهدف المركزي الذي خطط له، ووضع في مهمات الغزو والاحتلال والتوسع الامبريالي والهيمنة الاستعمارية، والتواطؤ معها والتخاذل في النهاية إزاء المصالح الوطنية والقومية وتدمير المنطقة وثرواتها وطاقاتها ومستقبل أجيالها. ويحق لنا أن نتساءل لماذا العزف على أوتار النيران الطائفية بالتحديد في هذه المنطقة دون غيرها من أوتار الصراعات كالأعراق مثلا؟
الجواب به لمحة فلسفية تعود بنا إلى التفريق بين المطلق والنسبي. فالأديان والمذاهب والطوائف هي مقدسات من سبيل المطلق الذي لا يعرف التعايش أو التعددية مع الآخر عندما تصل به حالة التطرف إلى حدها الأقصى ـ خذ جماعة ”داعش” مثالا على ذلك ـ أما النسبي فهو القضايا السياسية الخلافية التي يمكن للمرء التوصل فيها إلى موائمات وتوافقات بينية وسطية. على هذا الأساس فإن الأيادي التي تشعل النيران في الشرق الأوسط والعالم العربي، تدرك جيداً الخلفيات الدينية، والمرجعيات الثقافية والفكرية لشعوبه، وصانع القرار في الغرب عادة ما يلجأ إلى بعض من أساطير الفكر والعارفين ببواطن الأمور في المنطقة، وقد وجد في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال من هذه النوعية نموذجان، الأول مثله ”برنارد لويس” بطريرك الاستشراق، والأب الفعلي لنظريات صدام الحضارات عند هنتنجتون، وهو السبب الأول والمنظر الأول لتفكيك العالم العربي، والمنادي الأول أيضاً بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بما يتفق والمصالح الكونية للدول الرأسمالية العظمى، وفي سياق ذلك كان لابد من اللعب على أوتار الطائفية الدينية، وهو الخبير بتاريخ الإسلام والمسلمين في العالم العربي منذ زمان الوحي ونزول الرسالة حتى زمن الاحتلال الإنجليزي للبلاد. أما الثاني فقد كان البروفيسور ”فؤاد عجمي” الذي رحل عن عالمنا مؤخراً والذي لعب بدوره عاملاً فاعلاً ومؤثراً في دفع إدارة ”جورج بوش” الابن في طريق غزو العراق، ودفع إدارة ”أوباما” دفعاً من وراء وأمام الستار لتفكيك سوريا، وإشعال الحرائق الطائفية فيها، لاسيما بين العلويين والسنة، حتى آل الأمر إلى ما هو عليه.
والمؤكد أن راسمي تلك الخرائط المشتعلة يدركون أن تعددية المطلق، أي الأديان والمذاهب والطوائف، تعددية زائفة لأن المطلق بحكم تعريفه واحد لا يتعدد، وإذا تعدد فصراع المطلقات حتمي، وتساير هذا القول نتائج الأبحاث التي أجريت على الصراع في مجتمعات متباينة، وهي أن الصراعات الاقتصادية تدور على الخيرات القابلة للقسمة، وهي لهذا صراعات قابلة للتفاوض، ومن ثم من الميسور حلها، وعلى الضد من ذلك الخيرات التي لا تقبل القسمة فإنها لا تقبل التفاوض، وصراع المطلقات من هذا القبيل. غير أن فشل مشروع تقسيم المقسّم وتجزيء المجزأ، فتح شهية الذين وضعوا مخططاته إلى تأجيج حروب دينية جديدة تحت مسميات طائفية ومذهبية وقومية فيما شهدناه ونشهده اليوم في غير عاصمة عربية وإسلامية من احتقانات الفتن ومحاولات تقسيم الشرق الأوسط باسم الدين لإحكام السيطرة على دوله الممزقة وأنظمته الضعيفة: ”لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ” ـ (المائدة: 82).
وليس خفياًَ على الباحثين والعلماء ما ينطوي عليه هذا الإرهاب من خطر على مستقبل الأديان كلها فلم يكن العنف وسيلة في أديان السماء التوحيدية ولم يكن الأنبياء بطبيعة شرائعهم إلا رسل محبة ورحمة وتسامح، وتلك هي الحقيقة التي يجب أن نواجه بها سؤال الحروب الأيديولوجية والعقائدية لنفصل بالهداية القرآنية بين الحروب الظالمة والحروب العادلة وتأكيد الخطاب القرآني بأن غاية الدين هو السلام وفض الخصومات والعداوات لأن المتضرر من الحروب كلها هو الدين بجوهره الإنساني والسماوي.
خلاصة القول: رغم الضخ المستمر على المذهبية التي باتت ظاهرة ولم تعد خافية، فإن مشروع ”التفتيت الطائفي والمذهبي والعرقي” للدول العربية لا زال يتعثر، ولسوف يظل كذلك إلى أن يتم إغلاق البؤر الفاسدة الإرهابية التي يتم قتالها، فإن تم الانتصار عليها نهائياً تحقق الشرط الأساسي بسد منافذ الخطر على المسلمين وبالتالي على المنطقة برمتها. وبكل معرفتنا لقوى الأمة نقول، إن هذا المشروع لن يمر أيضاً، ولن يكتب له النجاح، ولن يعيش كما يتوهم أصحابه وصناعه وهم يحاولون في كل مرة تصنيع ما يعكر صفو الوئام الإسلامي والعربي. ونبشر المتآمرين على أمتنا العربية والإسلامية أنه مثلما سيسقط مشروعهم التكفيري الإرهابي الذي يتبنونه، ستسقط أيضاً كل محاولاتهم ومشاريعهم الفتنوية، طالما أنه بات مكشوفاً للقاصي والداني إلى أين سيأخذ هذا المخطط المنطقة العربية والإسلامية وماذا سيفعل بها.
كاتب من المغرب