مشاورات الكويت.. هل تتجه نحو «الطائف»2
بقلم/ محمد أنعم
تتجه مشاورات الكويت بين الوفد الوطني ووفد الرياض نحو الأهداف التي تسعى السعودية الى تحقيقها عبر انجاز اتفاق يشبه اتفاقية الطائف التي أُبرمت بين اليمن والسعودية عام 1934م والتي بموجبها خسر اليمنيون فرحة الانتصار الذي حققه جيشهم الحافي على جيش آل سعود الحديث والمجهز بأحدث الأسلحة، والأسوأ من ذلك أن اليمن فقدت جزءاً غالياً من أرضها المتمثلة بضياع جيزان ونجران وعسير في مفاوضات تعد بمثابة الكارثة التي أصابت تاريخ الشعب بانتكاسة ماتزال جروحها تنزف من داخل قلب كل يمني الى اليوم، فلأول مرة يسجل في التاريخ القديم والوسيط والحديث هزيمة للشعب اليمني ليس في ميدان المواجهات المسلحة وإنما على طاولة المفاوضات حيث فرط الإمام يحيي حميد الدين بالأرض اليمنية في صفقة قذرة لم تُكشف خفاياها بعد الى اليوم، ومنح أرض الشعب اليمني التي ليست اقطاعية خاصة به لآل سعود بدون حق، وكل ذلك طمعاً في إضعاف الشعب اليمني ليظل يتوارث أولاده وأسرته حكم اليمن.. أدرك الشارع اليمني أن الإمام يحيى حميد الدين لم يفرط بأرض يمنية بهذه السهولة رغم أنه كان في موقف المنتصر عسكرياً إلاّ بعد أن أصبح واثقاً أنه لن يحاسبه الشعب، مثلما فرط في دماء الآلاف من الحجاج اليمنيين الذي ذبحوا في وادي تنومة في بداية عشرينيات القرن الماضي، غير أن جريمة اتفاقية الطائف ايقظت الشعب اليمني لخطر بيت حميد الدين على حاضر ومستقبل اليمن، فبدأت طلائع الشعب من العلماء والمثقفين والمشائخ يتصدون للحكم الإمامي واسقطوا »البعبع« في ثورة 1948م التي قادها أحرار اليمن وفي المقدمة آل الوزير، وتوالت ثورة الشعب الى أن أشرقت ثورة 26 سبتمبر 1962م وكرد على خدمات الأئمة سخرت السعودية كل امكاناتها المادية والعسكرية والسياسية والاعلامية ضد الشعب اليمني وثورته وجمهوريته الفتية وتورطت الرياض مثلها مثل الأردن في ارتكاب جرائم حرب بحق الشعب اليمني قرابة عشر سنوات، وجاء اتفاق المصالحة في عام 1970م بين الملكيين والجمهوريين لتكسب السعودية جمهورية يجلس على نصف مقاعدها »وهابيون« وليس ملكيون، ومن جديد خسر اليمنيون في تلك المصالحة السياسية ليس فقط دماء الآلاف من أبناء الشعب وإنما أيضاً جزءاً آخر من الأرض اليمنية وقرارهم المستقل حيث ظل برميل الحدود يتدحرج ليبتلع كل يوم مساحات كبيرة من أراضي اليمن.
واليوم وبعد العدوان الهمجي الذي شنته السعودية وتحالف العدوان على شعبنا وبلادنا ها هي مؤشرات هزيمة أخرى وصفقة إذلال جديدة بدأت تفوح روائحها من مشاورات الكويت ولقاءات الكبسة غير المعلنة حيث لم يكتف البعض بالهرولة الى حضن قرن الشيطان والتودد المبتذل لآل سلول، وإزاء ذلك أصبح الشارع اليمني يغتلي من جديد طالما هناك من يصرون على تجاهل دعوة الزعيم علي عبدالله صالح- رئيس المؤتمر- الذي طالب فيها بشكل واضح بحوار يمني سعودي كضمان لحل الأزمة اليمنية وما عدا ذلك فهو مجرد إطالة لمعاناة الشعب اليمني.
وعلى الرغم من أن الجميع يدركون أن السعودية في مشاورات الكويت حاضرة بقوة إلاّ أن المهرولين يصرون على الاستمرار في حوار بيزنطي مع عملاء السعودية، ويتوسلون العالم ومحمد بن سلمان أن يوقف الحرب على شعبنا، بينما أحاديثهم في الجلسات مع السفراء الأجانب كلها تغزُّل بالسعودية »الشقيقة«.. وطز بدماء الشعب اليمني.. وطز بالجيش واللجان وبالدمار الذي لحق بالوطن.
لقد بات واضحاً أن السعودية قد كسبت المعركة ضد الشعب اليمني من جديد وها هي تخرج بريئة من دماء اليمنيين كبراءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، حيث لا يوجد في جدول الأعمال ولا في مهام اللجان الثلاث ما يشير الى تعويض ضحايا العدوان السعودي وجبر ضرر المتضررين اليمنيين.
لكن الأسوأ من كل ذلك أن السعودية قد لا تكتفي بتدمير ونزع اسلحة الجيش اليمني، بل قد تدفع بالمتحاورين الى التوقيع على اتفاقية طائف جديدة تمنح السعودية حق السيطرة على الجو والبحر اليمني مقابل أن تظل الأرض يمنية والحكم بدار من الرياض ولا نتنفس إلاَّ عبر مطار بيشة.