إنجاح وطن
أمام جامعة صنعاء فتح?ِ شباب?ْنا جامعة أخرى للحري?ِ?ة.
بعد عمر من «ناجح ومنقول» تجد نفسك منقولا?ٍ إلى الرصيف? إلى البطالة? إلى الفجيعة الكبرى? حيث تكتشف ألا حياة خارج محاضن التعليم? لا نور خلف منارات المعرفة? واقعنا شاهد على رسوب عام? وإخفاق مستدام? وسقوط مرير للعلم في ظل الأمية الحاكمة? ينتهي الجميع إلى الفشل والإحباط والشعور بالعجز.
شبابنا الآن يواجهون الامتحان الكبير? يعملون على إنجاح وطن? يناضلون كي يتخرج من سجن الخيبات? كي يتحرر من أسر الجهل? كي يغدو صالحا?ٍ للعيش? كي يصنع قدره ويقبض مصيره.
هي اليمن تغادر سجنها الحاكم? تعلن عن وجود لم تغادره العافية.
للحياة في ساحات الحرية مذاق خاص? عبق فريد? لكل شيء لمعان وبريق? للحضور بهاء واكتمال? جمال آسر? تعلن الروح عن قواها وطاقاتها المختزنة? الأشواق المقموعة? الآمال الدفينة? كل المكبوت والمكنون يندفع خارجا?ٍ مشكلا تيارا?ٍ قويا?ٍ جارفا?ٍ يعيد تشكيل كل شيء? يعصف بالوهن والضعف? يطلق الزوابع الساكنة? يوقظ الجمال النائم? يعيدنا إلى قلب الفعل.
هؤلاء الأحرار عافية البلد? ضميرها الغاضب? كبرياؤها العالي? كرامتها السامقة? شموخها الشاب? رهانها الأخير.
هم الآن? هتاف عال? يسقط كل أوهام السطوة? هم الآن وطن ثائر? جيل غادر المقبرة? قرر بعثه ونشوره? قرر إسقاط هاويته واستعادة هويته.
تعز تتقدم الدرب? وصنعاء ثورة جامعة? ولعدن قصب السبق? وإب «الأرض سماء تمطر» يخضر عود الثورة? يشتد يمتد? وفي البيضاء يتواصل الإصرار على محو السواد وفي صعدة يتكامل التصعيد? تتسع المشاركة? ويسابق الوطن نفسه للانخراط في حركة الاحتجاجات المشتعلة المطالبة برحيل النظام.
المحافظات? المديريات? والأرياف? من أقصى الوطن إلى أقصاه? ثورة والتحام? قبائل اليمن تجد في هذه الساحات الفتية أصالتها ونبالتها وجوهرها الكريم? أبناء الجوف ومأرب روافع صلبة? أبناء حاشد الأباة ورثة مجد? كل اليمن شلالات هادرة تنسكب باتجاه هذه الساحات? لتمنحها المزيد من الحيوية والجسارة? هنا تتلاقى القوى في سبيل يمن آخر جديد? ينسلخ من دمامة عقود? هنا ثورة لا أمل في سواها ولا رجاء.
يعمل الحزب الحاكم على استثمار الضحايا ضد الضحايا? هؤلاء المستأجرون هم فقراء الحاكم ومسحوقوه? وكما يحيل فقره وقهره إلى قوة سياسية في كل انتخابات? يستخدمهم متظاهرين ومناصرين باليومية? وقيل «ليس المستبد والديكتاتور هو ذلك الذي يضربك بنفسه? وإنما هو من يجعلك تضرب نفسك بنفسك»? هؤلاء بعض عبئنا الكبير رغم المفارقة الساخرة في احتشاد المرء ضد نفسه? دفاع المقهور عن قاهره? هتافه بحياة فقره وهوانه? وقوفه ضد مصالحه في التغيير والعدالة والكرامة والمواطنة المتساوية? يمكن للإنسان مع طول الانسحاق أن يصل إلى هذا المستوى من معاداته لذاته? نحن هنا لسنا ضدهم? نحن ضد القهر الذي يمسخهم على هذا النحو ويشوه آدميتهم? نحن هنا? من أجل تحريرهم.
نحن هنا لا تجمعنا كراهية صالح ونظامه? وإنما يجمعنا الحب: حب الحياة? حب الحرية والخير والحق والجمال? نحن «فدائيو المحبة? نحب المحبة ونعادي العداوة» بحسب بديع الزمان النورسي? نعادي العداوة ذاتها? وليس الأعداء? تراهن ثورات التغيير على تفوقها الأخلاقي? وعلى الثوار أن يكونوا سادة أنفسهم? يسيرون منتصرين على ضعفهم ورذائلهم وأحقادهم وأطماعهم الصغيرة? متسامين فوق كل المطامح التي تعيق السير وتوهن العزم?وتشتت القوة? لتتركز الطاقة على الهدف الكبير? يجب ألا نتماهى مع أدواء القهر وألا يكون نضالنا فعلا انتقاميا ي?ْخرج أسوأ ما فينا بحيث نتساوى والقهر الذي نجابهه? لنحارب الأفكار الشريرة داخلنا كي ننتصر في معركتنا ضد الشرور التي تتسيد الواقع.
البلطجي الذي يحمل الهراوة بيد? وصورة الرئيس بالأخرى? يماهي ويماثل بينهما تماما? يبدو الرئيس الهراوة الكبيرة? تحضر صورته أداة جريمة? سلاحا?ٍ قاتلا?ٍ? دافعا?ٍ ومحرضا?ٍ? وقائدا?ٍ رئيس? نحن هنا في مواجهة هذه الهراوة التي تلاحقنا منذ ثلاثة وثلاثين سنة? نحن هنا ضد حكم البلطجة.
شهداؤنا يسقطون برصاص الأمن وقنابل موالية للحاكم? شبابنا في مواجهة مفتوحة مع بلاطجة الرئيس? وما سلبه من شعبه يستخدمه في ضربه.
الأخ الرئيس? تعرف من يؤجر البلاطجة ويؤويهم? ويدفع لهم? باسم من يهتفون? وصورة من يرفعون? هم صورة حكمك? هم بعض مشاهد الخزي الأخيرة? اللواذ بالبلاطجة عقاب يليق بحاكم مقيت مطرود? سبقته إساءته إلى نفسه بما لا يدع متسعا للإساءة.
نحن نعيش? نتنفس حرية? نعانق السماء? نقف على مشارف الصباح? نحتضن الوطن ملء القلب? نرسمه بالدم القاني والأرض غناء أيوبي راعف فتان «وهبناك الدم الغالي وهل يغلى عليك دم».
شهداؤنا الأبرار? قسما?ٍ لن نعود? لن نخون دمائكم? لن نخذل تضحياتكم? لن نجلس مع الشيطان على مائدة حوار? حسم الخيار? والمتقدمون ما عادوا ينظرون خلفهم? ما عادوا يبالون بمن ينتظر أو ينظر من بعيد.
الصحوة نت