نصف قرن من الاحتفال باليوم العالمي للمسرح
منذ حوالي نصف القرن والعالم وأصدقاء المسرح يحتفون بيوم سنوي يمثل عيدا للمسرح والمسرحيين.. نصف قرن من مسيرة حافلة استطاعت أن تقدم الرسائل السنوية التي يوجهها المسرحيون بوساطة أحد أعلام المسرح المعاصر ليلخص فيها الأهداف النبيلة والتجاريب الإبداعية وقيم جمالية ومعاني سامية تتضمنها توكيدا لعمق إنسانية الوجود الإبداعي المسرحي والتحامه بحيوات الناس وتعبيره عن مصائرهم…
لم يكن اختيار يوم احتفالي للمسرح عبثا ولا اعتباطا? بل جاء مترسما خطوات الولادة الأولى عندما كان المسرح الأول تعبيرا عن احتفاليات طقسية منظمة لمجتمع دولة المدينة قبل أكثر من 25 قرنا. ولتأكيد المعنى الأهم للطبيعة الاحتفالية للمسرح لا من جهة الاحتشاد الإنساني مكانيا بل من جهة الميل إلى التنظيم وإلى إبداع جماليات اللقاء الإنساني قيمة عليا للتجاريب الجمعية لوجودنا المتحضر المتمدن…
إن? الوقفة السنوية للمسرحيين ليست احتفالا يتمرد على إيقاع محيطه? بل مراجعة جدية مسؤولة لمسيرة كل عام بما حفل به من نتاج مسرحي وما اعترضه من عقبات وهفوات وما نجم عنه من صلات بجمهور المسرح في صالاته وفي ميادين العرض الفسيحة المفتوحة على فضاءاتنا الواسعة…
وهي وقفة من أجل الرسالة الوحيدة التي يتحدث فيها المسرحيون أنفس?ْهم عن أنفس?هم خارج أعمالهم الإبداعية? بعيدا عن رسائل النقد المسرحي ودراساته وآراء محيطهم بهم? وعميقا حيث هواجس المسرحيين وآلامهم وأوصابهم وتطلعاتهم…
والسؤال في هذا العام 2011 وذكراه الخمسينية: ماذا سيفعل المسرحيون باحتفال هذا العام? ماذا سيقدمون بعيدهم الخمسين? ماذا يريدون وماذا سيقدمون? هل سيتحدثون عن نجاحات الخمسين عاما أم عن اخفاقات الخمسين سنة الماضية?
في اعتقادي? سيكون واجبا توجيه التحية لرواد صنعوا احتفالية يوم المسرح وجعلوه احتفالا أمميا وجماهيريا إنسانيا? وسيكون لزاما البحث في مهام مسرحيي اليوم تجاه هذا العيد وقراءة مسيرته وتجاه افتتاح تطلعات يومه وغده… وسيكون لزاما أن نعد? قوائم أ?ِعلام المسيرة أمميا ووطنيا…
سيكون مطلوبا اليوم التفكير بملتقى أممي للمسرح ولتجاريبه المهمة بمستويي الأستاذية والتلمذة.. إنني أدعو مسرحيينا في مختلف بقاع العالم للاتفاق على أن يكون يوم السابع والعشرين من آذار مارس هذا العام يوما احتفاليا كبيرا ومميزا يكون فاتحة للقاء كل عشرة أعوام في مدينة من مدن التأسيس المسرحي القديم والمعاصر..
فيكون لسومر وزقورتها ومسرحها شرف فرصة استضافة ربما مؤجلة في هذه السنة.. ويكون للصين والهند ومصر واليونان ولبلدان الحضارات القديمة ومسارحها فرص استضافات أ?ْخ?ِر? فيما يكون لباريس شرف الالتماع بمهرجانات الذكرى الخمسينية الأولى في عامنا هذا..
على أن يجري الاتفاق على نقل مباشر إلى صالات العروض المسرحية للاحتفالية وأن تتوحد لحظات انطلاق الطرقات الثلاث لبدء الاحتفالية أمميا? سويا ومعا.. بكلمة المسرح في هذا العام ومن ثم? بكلمات يتم اختيارها لتنقل بعد كلمة المسرح.. أقترح هنا أن تكون كلمة المسرح العراقي منقولة مباشرة تضامنا مع موئل المسرح الأول وتراث الإنسانية وموطنه الأقدم ومع ما تعرض له من أوصاب وآلام ويتعرض له من جرائم لا تكتفي بالإهمال للمباني والتنكر للتجاريب الإبداعية بل تغور إلى حيث التحريم والمصادرة والحظر وأبعد من ذلك مع التقتيل والاغتيال ومحاولة الإطباق والإغلاق لآخر بوابات المسارح الأصيلة في وطن السعفة الذهبية ونخلتها بجذورها ومعطيات معانيها في التكريم والتشجيع للإبداع وقيمه العليا…
عراقيا? سيكون على وزارة الثقافة تبني ميزانية استثنائية وعاجلة لمسارحنا ولأعمال مسرحيينا التي ستنطلق في رحاب الصالات والميادين.. وسيكون على النقابات والاتحادات والمؤسسات الثقافية تبني مفردات لمنهج مضاف ي?ْعنى بالمسرح والمسرحيين ولا ي?ْستثنى من هذا طرف وطني.. ولابما سيكون مهما تشكيل لجنة إشراف ومساعدة بالخصوص…
فالمسرح مذ و?ْل?د في كنف حضارة السومريين كانت له أبنية مخصوصة مجاورة للمعابد ومقرات إدارة أول دولة مدينة عرفتها البشرية.. وهو ذاته الذي أعلى من شأنه بالمناظرات والحوارات ومجالس التراث علماء الأمة وقادتها ونخبها العليا في بغداد حاضرة العلوم والفنون بعهدها الوسيط.. وهو ذاته الذي انطلقت من بين جدرانه مظاهرات الحرية والانعتاق من الاستغلال والقهر يوم كان جمهور المسرح يلبي هتافات شخصيات مسرحياتنا المبدعة في التعبير عن غليان ما بين الأضلع والأفئدة…
المسرح في العراق? ليس ملهى ولا بمنتدى ليلي أو ملتقى للترفيه المج الساذج كما يشيع بضع ظلاميين بل هو محفل طقسي رفع عاليا أقدس ما اعتنقه الشعب العراقي من قيم ومبادئ? فارتقى بالأنفس واحترامها وجود الإنسان ومنطق عقله التنويري..
بالمسرح ومنه وفيه? كانت ولادات ثقافة وطنية معم?دة بالأخلاقيات الرفيعة والقيم السامية والسيرة الحميدة لشعب أبي?.. بأمس غير بعيد? كان الأمي? الذي لا يقرأ يشاهد مسرحيات باحات مد