ثورة الشاشة.. والطوفان الجماهيري: الفضائيات والانترنيت سلاح الشارع السياسي
قبل أكثر من ألف عام قال الحجاج بن يوسف الثقفي:”من تكلم قتلناه? ومن سكت مات بغم?ه كمدا”..اليوم تقول الحشود المليونية من الناس الغاضبين لأحفاد الحجاج من الحكام:”من لم يتغير غيرناه?ومن رفض قتلناه”.. وما أشد الفرق بين الأمس البعيد واليوم القريب!
أخيرا?ٍ انفجرت القنبلة الجماهيرية المرعبة? وبدأ الطوفان? وبدأت القلاع الحصينة تتساقط? على شاشات الفضائيات ومواقع الانترنيت? في ظل ما يسمى ثورة الشاشة أو (ثورة الانفوميديا)? بعد أن عجزت الأنظمة السياسية القائمة عن استيعاب حركة الحياة وتأثير تقنيات الاتصال الالكتروني الجديد? ولم تفهم انعكاساتها في عقلية الجماهير وسلوكها!
كان عصر الثورات خلال القرنين الماضيين يعتمد على تحشيد الجماهير? حول قضية أو مشكلة? وتحريضها وتحريكها? عبر الخطاب الشفهي المباشر?أو من خلال وسائل الإعلام?لإسقاط الأنظمة السياسية أو تغييرها بقوة الاندفاع الجماهيري الهائل? وباستخدام أسلحة بدائية بسيطة? في كثير من الأحيان?ولعل جميع(الثورات) التي شهدتها المنطقة العربية? منذ بداية القرن العشرين? كانت تعتمد على ثلاثة أسلحة:بيان صادر من قيادة الثورة? وإذاعة مسموعة لتبليغ الجماهير بمضمون ذلك البيان وأسماء الثوار? وعدد من الدبابات والبنادق لمحاصرة القصر الملكي أو الرئاسي!
اليوم أصبحت الشاشة الصغيرة (تلفزيون أو كومبيوتر) هي السلاح الجماهيري الفع?ال? الذي لم يدرك أغلب السياسيين أبعاده ومعطياته وانعكاساته?ولم يفهموا لغة الوسائط المتعددة (الملتيميديا) والتفاعلية التي وفرتها تقنيات الإعلام الجديد?فلجئوا لوسائلهم القديمة في محاولات المنع والحجب والرقابة والتضليل والخداع لمواجهة المد الجماهيري? الذي أصبح يتحرك بسرعة فائقة? متجاوزا?ٍ تلك الحواجز التقليدية ومحطما?ٍ جميع القيود المعروفة!
لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يوقف الطوفان? ولكن يتعين على السياسيين التقليديين والجدد أن يتعلموا كيفية السباحة?وسط تيارات الفضاء الالكتروني? لكي يستطيعوا النجاة بأنفسهم وبلدانهم? قبل فوات الأوان?حيث لا ينفع الندم!
لم تعد لغة الوعد والوعيد صالحة في مخاطبة الناس من قبل الحكام?وقد سقطت لغة القوة والترهيب? منذ عقود? عندما أصبحت الموجات والشاشات وصناديق الاقتراع وسيلة الوصول إلى السلطة?وقد ظلت المنطقة العربية ? مع الأسف? تعاني? حتى وقت قريب?من عجز في تطوير الأنظمة الحاكمة? وهيمنة الخطاب الرسمي الواحد?وجمود اللغة السلطوية التي تفتقد المرونة والتفاعل مع عقلية الأجيال الشابة? التي تعايشت مع وسائل الكترونية(سمعية وبصرية) مثل الألعاب الرقمية (البلاي ستيشن) والحاسوب المحمول(لاب توب) والهاتف النقال(موبايل)..واستخدمت برامج التواصل عبر هذه الأدوات الجديدة بذكاء وإدمان وإفراط مثل البريد الالكتروني(الإيميل) والمحادثة والدردشة(الماسنجر) والمدونات والفيس بوك وتويتر ويوتيوب وغيرها الكثير? حيث تدفقت المعلومات? وتمت صياغتها وتداولها واستخدامها? بعيدا?ٍ عن نظر الرقيب? وقد اضمحلت صورة السياسي? وتآكلت تدريجيا?ٍ? سلطة الحاكم الذي كان يحتكر الثروة والسلاح والمعلومات ويوظفها? وفقا?ٍ لمصالحة ورغباته وأهدافه.
من أبسط الأمثلة? على طبيعة التغيرات السياسية والتقنية والاجتماعية والنفسية التي لم يفهمها أغلب السياسيين? أن شخصا?ٍ واحدا?ٍ يدعى ( جوليان أسانج) استطاع من خلال موقع(ويكيليكس) الإلكتروني أن يثير عاصفة عالمية?قبل أسابيع قليلة? هزت الكثير من العروش والكراسي? من خلال نشر آلاف الوثائق المسروقة من الأرشيف السري الأميركي? وقد فضح الأسرار المستورة?واخترق الجدران الحديدية? وكشف الحقائق غير المعلنة من قبل الحكومات والأنظمة القائمة? التي كانت تعتقد أن(السر?ية) الدبلوماسية والأمنية التقليدية سوف توفر لها حصانة أبدية!
ومن الأمثلة الأخرى على ثورة الشاشة أن شابا?ٍ تونسيا?ٍ يدعى محمد أبو عزيزة أحرق نفسه? احتجاجا?ٍ على الظلم? أمام عدسات(الموبايل) يوم 17/12/2010 فتناقلت صورته الشاشات والموقع الالكترونية? لتصبح تلك الصورة المرعبة شعلة الحرية لملايين الشباب العرب العاطلين عن العمل واليائسين من المستقبل والمتذمرين من التجاهل والتهميش والقهر.
الانفجار الجماهيري غير المتوقع من قبل جميع الأنظمة الحاكمة? الذي بدأ في تونس وانتقل إلى مصر واليمن?وهز??ِ الكثير من الدول العربية الأخرى? كان نتيجة عدة عوامل سياسية واجتماعية وتقنية? تجمعت تحت ظروف معينة?فيما يشبه التفاعل الكيمياوي الذي يقوم على التقاء عناصر طبيعية?تؤدي إلى تكوين مركبات جديدة?قابلة للانفجار من خلال شرارة يطلقها صاعق صغير? وذلك ينطبق على ما حدث في الشارع العربي? حيث توفرت العناصر وتفاعلت? ثم جاءت تلك الشرارة من تونس? فأشعلت الحريق? وأنارت الطريق أمام الباحثين عن فرصة جديدة في الحياة والمستقبل.
ويمكن تحليل تلك العناصر المحركة للشارع العربي اليوم?في ثلاثة مركبات متفاعلة:
أولا?ٍ:المرك?ب ال