اليسار من رؤيا النهوض إلى النهوض الملموس
في بداية عام 2010 تنبأ نايف حواتمة? وهو من أبرز اليساريين العرب? برؤيا النهوض الكبير لليسار? وها هو اليوم في بداية 2011 يتنبأ “بمرحلة النهوض الملموس الكبير” لليسار.
بعد خمسة عشر يوما?ٍ من الاحتجاجات الكبيرة ذات الملامح الانتفاضية الشاملة لأغلبية الطبقات والفئات الاجتماعية وشرائحها القطاعية المختلفة ولا سيما الشباب الذين يشكلون أكثر من 60% من الشعب المصري? وبعد خروج أكثر من ع?ْشر السكان في مظاهرات واعتصامات يومية ذات طبيعة حضارية? سلمية? راقية? وبعد محاولات تنكيل مرعبة? تنقل جزئياتها الفضائيات (مصادر حركات الشباب المختلفة تؤكد أن ما تنقله الفضائيات لا يشكل بمجموعة إلا جزءا?ٍ بسيطا?ٍ من القمع الحاصل ولا سيما في الأيام الخمسة الأولى)? بعد كل هذا هل يمكن الحديث على أن ما يجري في الشارع هو هب?ة جماهيرية عفوية? ناتجة عن الضغط السلطوي في المجالات كافة? السياسية (قمع حريات? اغتصاب ديمقراطية? تقويض الدستور … الخ? واقتصادية واجتماعية (الفقر? الجوع? البطالة … الخ). أم هي حركة احتجاجية واسعة وكبيرة وذات ملامح انتفاضة شاملة? سرعان ما ستتحول إلى ثورة واعية.
ما يؤكد أنها ليست حركة عفوية? عديد من المؤشرات? أبرزها تواصلها طيلة هذه الفترة دون كلل أو تراجع? على الرغم من القمع والتنكيل الوحشي? بل على العكس من ذلك? فكل يوم تتوسع الانتفاضة وتتزخم بانضمام فئات اجتماعية ونخب سياسية واقتصادية جديدة? تتوسع أيضا?ٍ جغرافيا?ٍ على مستوى المحافظات والمدن “على الرغم من القمع والتنكيل الأكبر في تلك المناطق”.
أما المؤشر الثاني ذو الأهمية الفائقة? فيكمن في تجاوزها السريع والسلس لكل محاولات الالتفاف عليها وعلى أهدافها? سواء كانت عملية الالتفاف من قوى داخلية أو خارجية.
لقد استطاعت الانتفاضة الإفلات من ألاعيب ومناورات النظام نفسه “تنازلات مبارك في خطابيه الشهيرين” أو من خلال أدوات النظام نفسه? يبدو أن النظام فك?ر كما فكرنا جميعا?ٍ … إن هذه الانتفاضة هي هبة جماهيرية عفوية? سرعان ما تتراجع وتخفت أمام تقديم بعض التنازلات من جانب النظام? والتي سرعان ما يعود إلى سرقتها والأطباق على حركة الاحتجاجات ورموزها ونخبها الشبابية.
كما أن الأحزاب “المعارضة” التقليدية? والتي تحولت برامجها وأدائها خلال الفترة الماضية? وبفعل فقدان ثقتها لقدرة واستعدادية الكتلة التاريخية الشعبية المتضررة بشكل مباشر أو غير مباشر من النظام? نظام “زواج المتعة” بين السلطة والمال? والتي أفرز حكم الفرد والعائلات والمافيات ورجال الأعمال جعلها ـ أي الأحزاب التقليدية ـ والتي تجاوزتها الانتفاضة بأشواط? أمام خيار الالتفاف على مطالب وأهداف الانتفاضة? وذلك بالتحاور مع أركان النظام لإنجاز تسوية قائمة على إصلاحات جزئية تعيد تزيين وتلميع النظام نفسه وإن بوجوه ورموز أخرى? وفي هذا السياق? جاءت تلبية الحوار الذي دعا إليه النظام والذي استطاعت قيادات الانتفاضة أن تفشل تطويق والتفاف الأحزاب التقليدية للانتفاضة الشاملة في مهده? مما جعل هذه الأحزاب تتراجع دون أن تحسم موقفها باتجاه مطالب الكتلة التاريخية? آملة تحت ظروف معينة خارجية على الأغلب أو داخلية? لإعادة إنتاج التسوية المتخيلة.
أما المواقف الخارجية والتي تتصدرها الولايات المتحدة? فإنها تسعى ومن خلال مواقف وإجراءات مرتبكة بل ومتناقضة تفرضها حركة الشارع المصري? وانتفاضته الشبابية الباسلة? إلى الخروج بمعادلة تجميل النظام بديلا?ٍ عن “معادلة الديمقراطية? العدالة الاجتماعية? الدولة المدنية” كما تريد الكتلة التاريخية.
إن مناورات وإملاءات الإدارة الأمريكية على رأس النظام? الجيش? الأحزاب التقليدية? وحتى على الانتفاضة نفسها تهدف بما لا يقبل الشك إلى تركيب مجلس رئاسي ثلاثي? أو إحالة صلاحيات الرئيس إلى نائبه? ورحيل مبارك الرمزي عبر رحلة علاج طويلة? أو حتى رحيله الدستوري (على وقع حركة الشارع) وصولا?ٍ إلى حكومة انتقالية شاملة بين رؤوس النظام والأحزاب التقليدية? بما في ذلك الإخوان المسلمون “تصريح كلينتون بهذا الشأن”? والتوجه نحو تمثيل رمزي مزور للانتفاضة الشبابية “لقاءات نائب الرئيس مع ممثلين للشباب? لا تعترف بهم القيادة الشبابية الميدانية في ميدان التحرير”.
شعار وهدف الولايات المتحدة “ائتلاف القوى المعتدلة وإبعاد القوى الراديكالية” أي قوى الانتفاضة الشبابية الحقيقية.
من المؤشرات على تجاوز الانتفاضة الشبابية والشعبية لمرحلة العفوية “إذ كانت موجودة بالأساس” وانتقالها إلى مرحلة التنظيم أي الثورة الواعية? هو ذلك المستوى العالي من الوعي? والقدرة على التكتيك السياسي المتمثل بالانتقال التدريجي للمطالب? وبالحرص على مستوى راق?ُ من التحالفات السياسية والاجتماعية? وبالقدرة الفائقة على تعطيل الهجوم السياسي المضاد? من أي اتجاه يأتي? سواء من النظام أو من الأحزاب والوجوه التقليدية? أو من الخارج وتحديدا?ٍ الولايات المتحدة. ما نشهده على الفضائيات? يؤكد أن مستو