حكام السعودية الى أين؟..
بقلم/ نعيم الأشهب – كاتب فلسطيني
قرار مجلس الجامعة العربية، الذي اعتبرحزب الله اللبناني منظمة إرهابية، أكد من جديد تهافت النظام العربي منذ راحت السعودية تقوده. وغني عن القول أن القرار لن ينال قيد أنملة من مصداقية حزب الله، كقوة فاعلة في التصدي لمشاريع اﻹمبريالية والصهيونية في المنطقة؛ هذه المصداقية التي عبّر عنها التضامن الشعبي العربي الواسع مع حزب الله واستنكارا لهذا القرار المشبوه. وإذا كان القرار خطوة نوعية نحو تعزيز التحالف السعودي – اﻻسرائيلي والخروج به، أخيرا، الى العلن، فإن توقيته ليس صدفة، بل إنه يبدو كنوع من التجاوب السريع مع ما كان أعلنه رئيس اﻷركان اﻹسرائيلي، غادي آيزنكوف، قبل ذلك بأيام فقط من اعتباره حزب الله العدو الرئيسي ﻹسرائيل في المنطقة؛ كما يمكن اعتبار هذا القرار ثمرة للزيارات الكثيفة المتبادلة مؤخرا، لمسؤولين من الطرفين، كانت القناة اﻹسرائيلية العاشرة قد كشفت، يوم ٢٠١٦/٢/٢٧عن إحداها وهي زيارة للرياض، قبل ذلك بأسابيع، قام بها وفد رسمي إسرائيلي “برئاسة شخصية رفيعة”، ضمن سلسلة زيارات مماثلة للمملكة وللخليج في الفترة اﻷخيرة، “لبحث التطورات اﻹقليمية والتنسيق لمواجهة اﻷخطار المشتركة”، كما جاء في نشرة تلك القناة اﻹسرائيلية؛
في الوقت ذاته، جاء هذا القرار ليؤكد إصرار حكام السعودية، ليس فقط على مواصلة النشاط التخريبي، على نطاق الساحة العربية ،الذي كرّسوا له كل طاقاتهم وقدراتهم، خلال السنوات الخمس اﻷخيرة على وجه الخصوص، بل والتصميم على تصعيده بالتعاون والتنسيق المكشوف،هذه المرة، مع اﻻسرائيليين. بمعنى آخر: فهزائمهم المتلاحقة على الساحات السورية والعراقية واليمنية واللبنانية بدل أن تردعهم وتدفعهم لمراجعة سياساتهم المدمرة والفاشلة، زادتهم عنتا وعنادا في اﻻندفاع على نفس الطريق الفاشل.
أما الترجمة العملية لكل هذه النشاطات في مجال تعزيز التحالف اﻻسرائيلي – السعودي المتسارعة هذه اﻷيام، فلا تستثني إمكانية القيام بعدوان مشترك قد يبدأ بلبنان. وفي هذا الصدد، نشرت صحيفة معاريف اﻹسرائيلية، بتاريخ ٢٠١٦/٣/٥، مقاﻻ بقلم “ألون بن دافيد” تحت المانشيت التالي:”الجيش اﻹسرائيلي يعدّ لحرب عنيدة وأليمة ضد حزب الله”. فهل سيكون الدور السعودي في هذا العدوان، إن وقع، خلق المناخ الذي يجنب هذا العدوان نفس مصير العدوان اﻹسرائيلي ٢٠٠٦، وذلك بخلق حالة من الفوضى واﻹضطراب، في الداخل اللبناني ، تفتعلها العناصر الموالية والمأجورة للسعورية هناك؟.
ويشق التحالف اﻹسرائيلي -السعودي طريقه الى العلن كتتويج لدعوات لصالح هذا التحالف توالت من الطرفين في السنوات اﻷخيرة على وجه الخصوص. في هذا الصدد يقول البروفسور أفرايم عينبار، مدير معهد بيغن- السادات للدراسات اﻻستراتيجية، في ورقة له بعنوان”فوضى الشرق اﻷوسط وأمن إسرائيل”، المنشورة في ٢٠١٥/٤/١٣:” إن الدول السنية الموالية للغرب مثل مصر واﻷردن والعربية السعودية ترى في إسرائيل حليفا مركزيا ضد إيران الصاعدة واﻹسلام المتطرف.. في وقت تتراجع فيه نظرتها الى الوﻻيات المتحدة كحليف يمكن اﻻعتماد عليه تماما”؛ بينما يقول شبيتاي شافيت الرئيس السابق لجهاز اﻹستخبارات اﻹسرائيلية (الموساد) في مقابلة مع “يو إس راديو” (نقلته صحيفة الجروسلم بوست اﻻسرائيلية بتاريخ ٢٠١٥/٧/١٩): ان اسرائيل باتت أكثر تحمسا تجاه تبني قضية مشتركة مع الدول العربية السنية في منطقة الشرق اﻷوسط التي أصابها التوتر والقلق إثر انفتاح الغرب على خصمها المشترك إيران، وتوصل الدول الست الكبرى الى إتفاق نووي مع إيران، وأضاف: ” لدينا فرصة فريدة لبذل الجهود ومحاولة تشكيل تحالف يضم الدول العربية المعتدلة تتزعمه السعودية وإسرائيل ، بغرض مواجهة القدرات النووية المحتملة ﻹيران في المستقبل، ولوضع نظام جديد في الشرق اﻷوسط”. أما مؤتمرهرتسيليا، الذي تعتبر مؤتمراته السنوية أكثر المؤسسات اﻹسرائيلية تأثيرا في صناعة سياسة الدولة ، فقد جاء في أحد توصيات مؤتمره الثالث عشر، الذي انعقد في ٢٠١٣/٣/١١، ما يلي:”ضرورة تكريس الصراع السني – الشيعي من خلال السعي الى تشكيل محور سني من دول المنطقة أساسه دول الخليج ومصر وتركيا واﻷردن حليفا ﻹسرائيل والوﻻيات المتحدة ضد محور الشر الذي تقوده ايران ويضم سورية وحزب الله”.
والمفارقة أن تتزامن هذه الخطوات من التقارب والتحالف بين السعودية وإسرائيل ، في وقت تصعّد فيه اﻷخيرة جرائمها ضد الشعب الفلسطيني من إعدامات لشبابه وشاباته وحتى أطفاله، يوميا، وفي الشارع العام، جنبا الى جنب مع التصعيد في مصادرة اﻷرض وبناء المزيد من المستوطنات الصهيونية فوقها، وتفاقم اﻹعتداءات على اﻷماكن المقدسة، بما في ذلك التهديد الفعلي لوجود المسجد اﻷقصى.
لكن تاريخ حكام السعودية العام يبرهن عداءهم المتجذر لحركة التحرر العربية واستعدادهم للتفريط بفلسطين ومقدساتها منذ وثيقة عبد العزيز آل سعود في الثلاثينات من القرن الماضي ، والتي يعلن فيها :”أقر وأعترف ألف مرة للسيد برسي كوكس، مندوب بريطانيا العظمى،ﻻ مانع عندي من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود..”، الى احتفال آل سعود بهزيمة مصر عبد الناصر في حرب حزيران ١٩٦٧، على يد الجيش اﻹسرائيلي، الى تحميلهم علنا حزب الله مسؤولية العدوان اﻻسرائيلي على لبنان، عام ٢٠٠٦، الى إنغماسهم، اليوم، بكل ما فيهم من قوة في عملية تدمير البلدان العربية وتشتيت شعوبها ، بالتعاون مع اﻹمبرياليين وحكام اسرائيل وعصابات اﻹرهاب.
وعلى اي حال، إذا ما غامر التحالف اﻹسرائيلي – السعودي بشن عدوان على لبنان أو غيره، فمن المتوقع أن ﻻ تقتصر النتيجة على مجرد الفشل، كما كان الحال عام ٢٠٠٦، وإنما الفشل المصحوب بهزيمة، سيكون ثمنها باهظا على المعتدين. مأخوذ في الحسبان ليس فقط التطور النوعي في قدرات المقاومة اللبنانية وحلفائها، وتحسن ميزان القوى في الداخل اللبناني لصالحها؛ وإنما المتغيرات العاصفة في المنطقة في اﻵونة اﻷخيرة وتداعياتها على الساحة الدولية. فالوﻻيات المتحدة، اليوم،غير مؤهلة لدعم مثل هذا العدوان كما فعلت عام ٢٠٠٦. وهذا هو مصدر انتقادات الاسرائليين والسعوديين وخيبات أملهم من واشنطن.أما الزيارة المفاجئة لرئيس وزراء تركيا، أوغلو، لطهران هذه اﻷيام فهي توحي بأن نظام أردوغان أصبح غير قادر على مواجهة اﻷزمات، الداخلية والخارجية، السياسية واﻻقتصاداية، التي جرّها على بلده باﻹنغماس في المؤامرات على شعوب المنطقة، واحتمال تحوّله نحو إحداث تغييرعلى مساره الحالي نحو غيره، يخرجه من هذا المأزق.
أما فيما يتعلق بساحتنا الفلسطينية، في ضوء هذا التطور النوعي في العلاقات اﻹسرائيلية – السعودية، في وقت يصعد فيه المحتلون اﻻسرائليون جرائمهم ضد شعبنا الفلسطيني، فهل يجوز بقاء الشعار الذي رفعته وترفعه القيادة الفلسطينية، بمناسبة ودون مناسبة “نحن مع السعودية!” على قاعدة”أنصر أخاك ظالما أو مظلوما” أم ينبغي تنكيسه؟، وإذا كانت السعودية تتزعم، اليوم، عملية تقسيم العالم العربي الى محاور متصارعة، لصالح أعداء الشعوب العربية ، وتتزعم المحور الذي يندفع للتحالف مع إسرائيل والوﻻيات المتحدة ضد شعوب المنطقة، فأين المكان الطبيعي والمنطقي للشعب الفلسطيني الرازح تحت اﻻحتلال اﻻسرائيلي ؟! وإذا كانت القيادة الفلسطينية ﻻعتبارات خاصة بها وليس بالقضية الوطنية الفلسطينية، تحجم عن اﻹنتظام في المكان الطبيعي لشعبنا الرازح تحت اﻻحتلال اﻹسرائيلي، فلا أقل من العودة الى المبدأ الذي أرسته، منذ البدء، منظمة التحرير باﻹبتعاد عن المحاور حفاظا على استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا أضعف اﻹيمان، كما يقال.
المصدر: موقع حزب الشعب