الإدارة الأمريكية والتكتيكات السياسية الجديدة
من الواضح جدا?ٍ أن الثورات والانتفاضات الشعبية في الوطن العربي?والتي طالت بالأساس ما يسمى دول معسكر الاعتدال العربي?وضعت الإدارة الأمريكية أمام تحديات ومعضلات جديدة?والإدارة الأمريكية التي أول ما يعنيها من هذه التغيرات والتطورات والتداعيات?الثابت في سياستها ألا وهو مصالحها في المنطقة?فطالما قال الساسة الأمريكان بأن أمريكا لها في المنطقة مصالح دائمة وليس أصدقاء دائمين?وهذا ثابت أيضا في سياسة كل القوى الاستعمارية قديما?ٍ وحديثا?ٍ?ولكن هذا المستجد والمتغير غير المسبوق عربيا?ٍ جعل الإدارة الأمريكية وفرض عليها تغيرا?ٍ في التكتيكات من أجل تقلل من وعلى حقد بشاعة وقذارة وشكل تسويق الدور الأمريكي تجاه الشعوب العربية والإسلامية?وقد لمسنا ارهاصات وبدايات ذلك مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة “أوباما” ففي الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة حزيران/ 2008 ?والذي حاول من خلاله التركيز على المشاعر والعواطف والتسامح واللغة الجديدة أن يعلن ويؤكد للعرب والمسلمين بأن الإدارة الأمريكية بصدد تغيرات إستراتيجية في رؤيتها وتصوراتها ومواقفها السياسية في المنطقة?ولكن هذه السياسة والتي نظر وهلل وطبل لها الكثيرون من مرتزقة النظام العربي الرسمي?رجال فكر وسياسة وإعلام ومثقفين وصناع رأي وقادة مجتمع سرعان ما اتضح كذبها وزيفها وخداعها?وكانت الساحة الفلسطينية هي الاختبار الجدي لتلك الشعارات والسياسة والرؤية?حيث أن السياسة والشعارات والرؤيا التي طرحها “اوباما” في خطابه حول إقامة دولة فلسطينية تم التخلي عنها بشكل كلي لصالح التطابق الكامل بل وربما الأكثر تشددا مع الرؤيا والسياسة الإسرائيلية تجاه المفاوضات والعملية السلمية في المنطقة?ولربما أدركت الإدارة الأمريكية من تجربة العراق أن فرض ديمقراطية الدبابات والتغيرات بفعل القوة الخارجية على الأمة العربية وشعوبها من شأنه أن يزيد من قتامة وكره وحقد الشعوب العربية على أمريكا ودورها وسياساتها في المنطقة?فالديمقراطية المزعومة التي جلبتها للعراق جاءت بالفاسدين واللصوص الذين أمعنوا في قمع وإذلال وامتهان كرامة العراقيين ونهب خيرات وثروات بلدهم وعدم استقراره وتجزئته وتقسيمه?وهذا ليس بالمهم عند أمريكا ما دام يؤمن لها السيطرة على منابع النفط هناك ويؤمن لها مصالحها “فالديمقراطيون الجدد “لهم الحق أن يقتلوا وينهبوا ويقمعوا ويخالفوا كل الأعراف والمواثيق والقوانين الدولية وأن يدوسوا على كل قيم العدالة والديمقراطية والحرية….?? تحت يافطة محاربة “الإرهاب” واجتثاث “الصداميون والبعث وقوى المقاومة العراقية”?وكل القائلين بوحدة العراق واستقراره وسيادته الوطنية.
اليوم الإدارة الأمريكية أمام تحديات وتغيرات غير مسبوقة عربيا?ٍ?وتمس عصب تحالفاتها الإستراتيجية?والتي شكلت لها على مدار عشرات السنوات السابقة ضامن أساسي لتنفيذ أهدافها وسياساتها ومصالحها في المنطقة?فهذه التداعيات قد تصل إلى أبعد من تشكيل مخاطر على المصالح والأهداف الأمريكية في المنطقة?فالخوف الحقيقي أن تصل تلك التداعيات حد أن تهدم كل ما بنته في الثلاثين عام السابقة?خصوصا?ٍ لجهة اتفاقيات ومعاهدات “السلام العربية- الإسرائيلية” ( كامب ديفيد ووادي عربة)?وكذلك تهديد امن إسرائيل ووجودها.
ومن هنا وعلى ضوء الثورات الشعبية والتغيرات التي ربما تطال غالبية دول ما يسمى بالاعتدال العربي وكل ما تمثله من ديكتاتورية وقمع وفساد ونهب وإفقار وتجويع وتجهيل وتعدي على الحقوق والكرامات وحرية الرأي والتعبير وبيع والتفريط بالكرامة والسيادة الوطنية?وجدنا الإدارة الأمريكية تلجأ إلى تكتيكات سياسية جديدة?تكتيكات تجعلها مقبولة?عربيا?ٍ وأن تحفظ لها مصالحها وأهدافها في المنطقة?فهي تدرك وتعي تماما?ٍ أن دعمها ومساندتها لأنظمة تجاوزتها الأحداث وأصبحت في حكم المنتهية?من شأنه أن يعزز من كره وحقد الشارع العربي عليها?كما يشكل فرصة عالية لتعزيز قوى ومعسكر المقاومة العربي?وربما قوى متطرفة رافضة للوجود الأمريكي بالمطلق في المنطقة?فمن هنا وجدنا انها سارعت إلى دعوة ومطالبة الأنظمة العربية التي طالما احتضنتها ودعمتها وساندتها في كل ما ارتكبته من جرائم بحق شعوبها لدعوتها إلى ضرورة إجراء تغيرات وإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية جذرية والاستجابة الى مطالب شعبها?وذهبت الى ما أبعد من ذلك?ألا وهو مطالبة تلك الأنظمة بالرحيل وعدم قمع المنتفضين والمحتجين?وهددت بقطع المساعدات المالية والاقتصادية عنها.
إن الشعور الأمريكي والغربي بأن الرهان على تلك الأنظمة رهان خاسر?وقد يكون له الكثير من التداعيات السلبية على مواقفها ومصالحها?يدفعها إلى اتخاذ مثل تلك الموقف?وليس تغير في الرؤيا والإستراتيجية والسياسة الأمريكية في المنطقة?بل تغير يطال التكيتكات السياسية التي تؤمن لها قبولا?ٍ شعبيا وجماهيريا?ٍ عربيا?ٍ في المنطقة?وبما لا يظهر دعمها المباشر للقيادات التي تريد لها أن تكون على رأس سدة الحكم في المنطقة.
وأمريكا التي ح