حضارة اليمن في عين ” العاصفة “
بقلم / علي ظافر
تشهد الآثار اليمنية التي يعود تاريخ معظمها إلى 4000 آلاف سنة عملية تدمير ربما هي “الأكبر” في تاريخ الحروب، ففي عام واحد فقط دمر ” التحالف العربي” بقيادة السعودية أكثر من 57 معلماً أثرياً بحسب الإحصائية الأخيرة الصادرة عن المركز القانوني للحقوق والتنمية اليمني نهاية العام 2015م.
ومن أبرز المعالم التي تم استهدافها من قبل طيران ” التحالف العربي” سد مارب التاريخي (بني بدايات الألفية الأولى ق.م)، وعده الباحثون “معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية ” ، بالإضافة إلى حصن مدينة براقش (اقدم مدينة باليمن ترجع الى 1000 قبل الميلاد) ، وقد دُمر الحصن كلياً نتيجة 7 غارات استهدفت المدينة التاريخية ، وأحدث دماراً هائلاً في أسوارها ومعبدها الأثري.
وجه اليمن الحضاري، لم يسلم من الأذى فصنعاء القديمة المدينة المأهولة باستمرار منذ القرن الخامس قبل الميلاد، والمصنفة بحسب اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي تعرضت هي الأخرى لقصف ” التحالف العربي ” وقد أفادت “اليونسكو” بأن صواريخ ” التحالف ” أصابت فيها حي القاسمي الذي يحتوي عشرات المنازل التي شيدت قبل القرن الـ 11، وألحقت الغارة دماراً كبيراً في 3 منازل.
ومؤخراً شن “التحالف” 4 غارات جوية على مدينة شبام كوكبان (تعود إلى ماقبل القرن السابع قبل الميلاد) وقد دمرت الغارات بوابة المدينة، ومبنى “القشلة ” وتضررت عدد من المنازل والمباني الأثرية في المدينة.
ودمر طيران ” التحالف ” متحف ذمار الإقليمي الذي يضم 12500 قطعة تشهد على التراث الثقافي الغني لليمن، وعدداً من المخطوطات والدراسات والبحوث في علم الآثار، كما استهدف العدوان عدداً من القلاع أبرزها قلعة صيرة في عدن وقلعة القاهرة في تعز، وقلعة باجل في الحديدة، وحصن الحسني في الضالع … والقائمة تطول.
موقف القانون الدولي من استهداف الآثار
من الناحية القانونية، فإن اثار اليمن الثقافية محمية من قبل العديد من الاتفاقيات الدولية، ولا بد من استخدام هذه الحماية لمنع تدميرها، فقد عرفت اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي في المادة الأولى منها، الآثار: بالأعمال المعمارية، وأعمال النحت والتصوير على المباني، والعناصر أو التكاوين ذات الصفة الأثرية، وغيرها. وقد أكدت اتفاقية لاهاي للحرب البرية، عام 1907 وكذلك اتفاقية لاهاي الموقعة عام 1954م، وبروتوكولَاها الإضافيّان على حماية الممتلكات الثقافية في وقت الحرب. وقد حظرت المادة 56 من لائحة لاهاي الرابعة كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي للمؤسسات والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وأوجبت اتخاذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال.
وحذرت اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة الموقعتان عام 1949م، وبروتوكولاهما الإضافيَّان الموقعان عام 1977م، من استهداف الاثار، واعتبرت المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول أن تدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية من المخالفات الجسيمة وبالتالي فهي بمثابة جريمة الحرب التي نصت عليها الفقرة 9 من المادة 8 من ميثاق روما لعام 1998، والتي تنص على أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، بمثابة جريمة حرب، والتي تعرفها اتفاقية روما بأنها الخروق الخطيرة لاتفاقيات جنيف الموقعة عام 1949 متى ارتكبت على نطاق واسع.
السعودية تتجاوز القوانين الدولية فمن يوفقها ؟
إن إدانة أعمال التدمير “الممنهج” لآثار اليمن لا تكفي، بل لا بدَّ من تحرك فعلي يمنع السعودية من الاستمرار في نسف المواقع التاريخية في اليمن. لذلك يجب عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، وإصدار قرار يؤكد على احترام المواقع التراثية في اليمن، وإدانة استهداف الغارات السعودية للأماكن التراثية. وإذا لم يسارع المجتمع الدولي إلى حماية هذه المواقع، فإن ذلك يؤكد التواطؤ الغربي مع السعودية لتدمير هذا التاريخ الحضاري.
كما يجب على الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية المسارعة إلى منع المسؤولين السعوديين من البناء على سياسة الافلات من العقاب، فالسعودية ترتكب جرائم حرب والمسؤولية عن ارتكاب هذه الجرائم يتحملها، إلى جانب الحكومات، الأشخاص الطبيعيون المتهمون بالتخطيط لارتكابها.
ويبقى الأمل أن يستيقظ المجتمع الدولي من سباته، وألا تتحول الأمم المتحدة منصة لارتكاب الجرائم باسمها، وألا تؤثر السعودية بأموالها على المنظمة الدولية كما تؤثر الولايات المتحدة الأميركية.
أمام هذا التدمير الممنهج لتراث اليمن تبرز الكثير من التساؤلات المشروعة هل “التحالف ” بقيادة السعودية يسعى إلى محو تاريخ حضاري عريق ؟؟ وهل نحن أمام حرب تسعى لفصل الأجيال اليمنية عن تاريخها، وعن ذاكرتها الجمعية تمهيداً لتفتيتها وتقسيمها ؟؟
تقول الخبيرة اللبنانية في علم الآثار الأستاذ جوان فرشخ بجالي ” لإضعاف شعب ما يعمد البعض إلى فصله عن ذاكرته الجمعية … وبالتالي يصبح الشعب متفككاً؛ لأجل هذا تدمر الآثار” أعتقد أن هذا الكلام ينطبق تماماً على الحالة اليمنية، فالتدمير ليس مبرراً على الإطلاق إذ أن تدمير آثار اليمن يعني تكسير الجذور، الهوية، الذاكرة الجماعية، والانتماء والمجد، وبالتالي ينشأ الجيل القادم مفصول عن التاريخ والحضارة تماماً وتصبح هويته هوية فردية.
وفي ظل الحرب الشاملة على اليمن لا يُستبعد أن يتزامن مع عمليات التدمير عمليات نهب منظم لآلاف القطع الأثرية من اليمن واستجلابها إلى متاحف في دول الخليج ودول أخرى والادعاء بأنها لـهم وتدل على حضارتهم ونكون بهذا أمام “سرقة ” كبرى لتاريخ اليمن وحضارته الضاربة في جذور التاريخ .