اسرائيل في طريقها للانضمام الى الجامعة العربية
افتتاحية صحيفة رأي اليوم | لندن
كنا نعتقد ان المملكة العربية السعودية “تهيمن” فقط على مجلس التعاون الخليجي وقراراته، وتحدد له اصدقاءه واعداءه، وبعض الدول العربية الاخرى المستفيدة من مساعداتها المالية، ولكن البيان الذي صدر بالامس عن اجتماع وزراء داخلية الدول العربية في دورة انعقاده الاخيرة في تونس، ووضع “حزب الله” اللبناني على قائمة “الارهاب”، اثبت كم كنا مخطئين في اعتقادنا هذا.
دولتان عربيتان فقط هما اللذان تحفظتا على هذا القرار، او بالاحرى بعض فقراته، الاولى هي العراق، والثانية هي لبنان، ولم يرد اي ذكر للجزائر، مما يعني الحكومات العربية “غير الفاشلة”، او التي في طريقها الى الفشل، وفق المخطط التفتيتي التقسيمي الذي يجتاح المنطقة، رضخت للاملاءات السعودية، والتحقت بموقف مجلس التعاون الخليجي في هذا الاطار.
السيد نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني تحول الى “بطل وطني” في لبنان لانه اعترض على “وصف حزب الله بانه ارهابي”، مثلما جاء في البيان الختامي، وبرر مكتبه هذا الموقف بأنه جاء صونا لعمل المؤسسات الدستورية الباقية في البلد.
موقف السيد المشنوق، الذي ينتمي الى “تيار المستقبل” الذي يتزعمه السيد سعد الحريري، رجل السعودية الاول في لبنان، جاء براغماتيا، وينطوي على نضج سياسي كبير، والشيء نفسه يقال عن موقف السيد الحريري الذي اتخذه بمواصلة الحوار الاسبوعي مع “حزب الله” رغم القرار الخليجي باعتباره “ميليشيا” ارهابية، فالحزب يعتبر مكونا اساسيا من مكونات النخبة السياسية والطائفية اللبنانية، ويتمثل في مجلس النواب (البرلمان) والحكومة، ومؤسسات الدولة اللبنانية.
ليس للبنان ما يكسبه لو صوت لصالح القرار المدعوم سعوديا ضد “حزب الله”، لكن لديه الكثير مما يمكن ان يخسره داخليا، على صعيد وحدته الوطنية، وامنه واستقراره، والتعايش القائم بين طوائفه، فالتصويت لصالح القرار ورغم مخاطره لن يعيد المنحة المالية السعودية، ومقدارها اربعة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، لان السعودية قررت الانسحاب من لبنان بعد ان ادركت ان وجودها فيه غير فاعل اولا، وغير مرحب به من قبل قطاع عريض من اللبنانيين ثانيا، وفوق هذا وذاك، اقترابها من حافة الافلاس بسبب تراجع العوائد النفطية، وزيادة اعبائها المالية بسبب حروبها المعلنة في سورية واليمن، وغير المعلنة في العراق ومصر وليبيا، وطابور طويل من المتطلعين الى “عطاياها” المالية، سواء على شكل منح وقروض، او صفقات اسلحة.
اخطر ما في قرار وزراء الداخلية العرب هو هيمنة “المال” السعودي على القرار العربي ومؤسساته، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وتحويل المقاومة للاحتلال الاسرائيلي الى “ارهاب”، الامر الذي قد يشّرع اي عدوان اسرائيلي مستقبلي على لبنان وقطاع غزة، للقضاء على هذا “الارهاب”.
كان من الممكن تجنب هذه “السابقة” الخطرة لو جرى الفصل، في البيان الختامي، بين “حزب الله” كمقاومة مشروعة للاحتلال الاسرائيلي، وبين تدخلاته في شؤون بعض الدول العربية، لارضاء السعودية وحلفائها في الخليج، ولكن غياب هذا الفصل يؤكد ان الهدف بالتجريم والصاق تهمة الارهاب، هو ثقافة المقاومة واذرعها، ولهذا لم يكن غريبا، او مفاجئا حالة “الفرح” التي رأيناها في دولة الاحتلال الاسرائيلي، والتصريحات المرحبة بالقرار على لسان مسؤوليها، فهل هناك “هدية” اكبر واغلى من هذه الهدية المجانية والاستسلامية التي اثبتت ان معظم العرب اكثر حرصا على امن واستقرار اسرائيل من اكثر زعمائها اليمينيين عنصرية وتشددا.
العمل العربي المشترك بالصورة الوطنية المشرفة التي نعرفها انتهى، وبدأ يحل محله تدريجيا العمل العربي الاسرائيلي المشترك الذي سيكون طابع المرحلة الحالية، ولن نستغرب اذا ما شاهدنا تنسيقا امنيا وعسكريا عربيا اسرائيليا علنيا في الاسابيع او الاشهر المقبلة ضد “المقاومة” تحت ذريعة التصدي للارهاب، وحزب الله وايران على وجه الخصوص، انه “العهد السعودي” الذي يترسخ حاليا.
نحن في هذه الصحيفة “راي اليوم” نقف في خندق “المقاومة” للاحتلال الاسرائيلي، ونعتبرها حقا مشروعا لتحرير الارض والمقدسات بالوسائل كافة، ونعتبر قرار وزراء الداخلية العرب تخليا عن القيم والمبادىء العربية في هذا الصدد، وطعنة في الظهر لكل الشهداء العرب الذين انخرطوا فيها، ولكل الذين ما زالوا يؤمنون بهذا الخيار في ظل انهيار كل الرهانات السلمية بسبب رفض دولة الاحتلال لكل القرارات الدولية، واجهاضها لاتفاقات السلام التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، واستمرارها في تهويد المقدسات العربية والاسلامية، وبناء المستوطنات، واذلال الملايين من العرب والمسلمين، واعدامهم بدم بارد.
اليوم “حزب الله” ارهابي، وغدا حركة “حماس″، وبعد غد “الجهاد الاسلامي”.. وبعد كل هؤلاء، سيتم هدر دم كل من يقف في خندق هؤلاء ويؤيدهم، او يتعاطف معهم، ضد دولة اسرائيل الصديقة المسالمة الوديعة المهددة من الذئاب العربية والاسلامية، حسب قيم ومبادىء واعراف العهد “العربي” الجديد.
ان مثل هذا القرار يمهد الطريق لانضمام اسرائيل الى الجامعة العربية، ومؤسسة القمة، ولن نفاجأ اذا ما جرى انتخاب امينا عاما اسرائيليا لها في المستقبل المنظور، وليس هناك افضل من بنيامين نتنياهو لهذا المنصب، هذا اذا قبل العرض، فلم نعد نستبعد، او نستغرب، اي شيء هذه الايام.