أمريكا ومعارضة ما قبل 2011
بقلم / عبدالله صبري
تتغير المواقف تبعاً لتغير المعطيات والمستجدات الموضوعية والذاتية. وما ينطبق على الأفراد ينطبق على القوى والأحزاب السياسية أيضاً. والديناميكية السياسية خير من الصنمية الجامدة، والبراجماتية في شقها الإيجابي مطلوبة ومحمودة في بعض الأحيان، ما لم تنزلق إلى مرحلة التفريط والانقلاب على الثوابت والمبادئ المتعارف عليها دينيا ووطنيا.
وإذا كانت الأحزاب السياسية اليمنية قد تباينت في مواقفها إزاء أمريكا ودورها في المنطقة العربية، فإن تبدل هذه المواقف لم يكن مبرراً في الإطار الموضوعي، ذلك أن سياسة واشنطن في اليمن والمنطقة العربية لم يتغير أصلاً، حتى تغير الأحزاب موقفها القديم من البيت الأبيض.
تفصيلاً، يمكن القول أن أحزاب المشترك التي كانت في موقع المعارضة قبل ثورة 11 فبراير 2011، كانت منسجمة مع الثوابت والمبادئ التي جمعت أحزابها فيما يتعلق بمناهضة المشروع الصهيوأمريكي، بل إن المؤتمر القومي الإسلامي شكل حاضنة لمعظم الأحزاب العربية في السلطة والمعارضة، وكانت القضية الفلسطينية عنواناً جامعاً بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المشترك في أكثر من مناسبة.
ولأن إسرائيل كانت وما تزال مسنودة أمريكيا، فإن مواقف الأحزاب العربية كانت تتجه بالنقد للسياسات الأمريكية على تفاوت فيما بين هذا الحزب وذاك. ومن يرجع إلى أرشيف أحزاب المشترك يجد في بياناتها ما يشير بوضوح إلى خطورة الدور والمشروع الصهيوأمريكي، وصولا إلى معارضة التدخلات الأمريكية التي ازدادت وتيرتها في ظل ما يسمى بالحرب الدولية على الإرهاب.
وليس جديداً القول أن أحزاب المشترك كانت تتبارى في مناهضتها للسياسات الأمريكية، خاصة عندما يتعلق الأمر بانتهاك السيادة الوطنية، والقتل خارج القانون عبر الطائرات بدون طيار، التي كانت تلاحق من تسميهم واشنطن بالعناصر الإرهابية في اليمن.
قبل 2011 كانت أحزاب المشترك على استعداد للخروج بجماهيرها في مظاهرات حاشدة للتنديد بالسياسات الأمريكية، وكان بإمكان حزب الإصلاح مثلا أن يقود مسيرة جماهيرية كتلك التي خرجت أول أمس الجمعة في العاصمة صنعاء، تحت عنوان أمريكا تقتل الشعب اليمني، إلا أن إغراءات السلطة كشفت عن الانتهازية السياسية التي دفعت بعدد من أحزاب المشترك إلى التنكر لتاريخها وللقيم الحزبية التي كانت تفاخر بها، حيث وجدت نفسها بحاجة إلى أمريكا لكي تصل إلى السلطة أو تستمر فيها. وقد تقبلت هذه الأحزاب العلاقة الجديدة بواشنطن، وبدأت تنافس النظام السابق في التقرب والعمالة للإدارة الأمريكية، والتغاضي عن جرائمها في اليمن والبلاد العربية، حتى انها أصبحت أكثر تهالكا وانخراطا في المشروع الأمريكي ذي الصبغة التفكيكية والتجزيئية. إلى درجة أن بعضها غدا جزءا وشريكا في العدوان على شعبنا الذي تقوده السعودية بدعم مباشر من قبل طاغوت العصر الشيطان الأكبر!
حتى القاعدة والتنظيمات الإرهابية التي طالما قيل أنها صناعة أمريكية، وأنها (قاعدة صالح )، غدت اليوم في نظر المتلفعين بشرعية هادي مجرد جماعات مقاومة وصديقة للعدوان السعودي الأمريكي، الذي يقتل الشعب اليمني ويوفر الحماية والغطاء الجوي لانتشار داعش والقاعدة في المحافظات الجنوبية.
لم تتغير أمريكا، فجرائمها تتوالى في المنطقة دون حسيب او رقيب، والذي تغير أن نخبة المشترك لم يستوعبوا أن الشعب الذي ثار عليهم، قد طوى صفحة الهيمنة الأمريكية على اليمن، بينما عيال العاصفة مشغولين بالبحث عن مخرج يعيدهم إلى السلطة، التي يبكونها كالنساء، وقد عجزوا عن الحفاظ عليها كالرجال.
لذا لا عجب اليوم أن يسخر أمثال هؤلاء من حملة شعبية وطنية تصرخ بملء الفم: #أمريكا_تقتل_الشعب_اليمني.