يا أهلي في تعز.. تخلوا عن أنانيتكم وكِبركم!
بقلم : الدكتور/ سيف العسلي
تتمتع محافظة تعز بعدد من المزايا، قلما توجد في محافظة أخرى. فتعز هي الأكثر سكاناً في اليمن، والأكثر تعليماً، مقارنة بغيرها. والكثير من أبنائها متفوقون في العديد من المهن الحِرَفية والأنشطة التجارية.
ولكنها تعاني من تدني مستويات الخدمات العامة. فعلى سبيل المثال، عدد المدارس نسبة لعدد الملتحقين فيها أقل من بعض مثيلاتها من المحافظات. عدد الطرق مقارنة بعدد التجمعات السكانية وحجم السكان فيها قليل جداً مقارنة بالمحافظات الأخرى. عدد المستشفيات والمراكز الصحية مقارنة بالكثافة السكانية فيها يشير إلى حقيقة تدني الخدمات الصحية فيها.
والأمر نفسه ينطبق على مؤشرات الخدمات العامة الأخرى. فما تعانيه تعز من نقص في المياه واضح وجلي. ونفس الأمر ينطبق على الكهرباء.
تعز تحملت الكثير، في سبيل إنجاح ثورة 26 سبتمبر عام 1962 وثورة الـ14 من أكتوبر عام 1964، وفي سبيل تحقيق الوحدة. وتحملت عبئاً أكبرَ في كل الأحداث المؤلمة التي تعرضت لها اليمن.
لا شك أن ذلك ـ للأسف الشديد ـ يرجع إلى عديد أسباب، لعل أهمها: تدني تأثير المحافظة على الحياة السياسية في اليمن. بل إنه يمكن القول إن تأثيرها السياسي لا يساوي حتى أصغر محافظة مثل مأرب والجوف. ويرجع ذلك إلى عدم وحدة وتضامن أبناء تعز سواءً الساكنين في المحافظة أو الذين ينتشرون في أنحاء اليمن أو الذين هاجروا إلى خارج الوطن.
كل ذلك الحرمان والمعانة شيء، وما تعاني منه تعز في الوقت الحاضر شيء آخر. فتعز المُسَالِمة الصابرة والمضحّية من أجل اليمن، فجأة يتم استخدامها لتصفية حسابات سياسية بين متنفذين من خارجها، ويُزَجُّ بها في حرب لا ناقة لها ولا جمل فيها، وتحرق الأخضر واليابس.
يا أهلي في تعز العلم والثقافة، كما تحبون أن يصفكم الآخرون، كيف سمحتم لهؤلاء باستدراجكم إلى هذه الفتنة الكبرى؟ وكيف استسلمتم لذلك، فلم تحركوا ساكناً؟ صحيح أن الذين يشاركون في هذه الفتنة من أبناء المحافظة قليلون، وأن الغالبية العظمى إما محايدة أو صامتة. لكن بعد أن وصلت الأمور إلى هذا المستوى من التدمير لكل شيء في المحافظة، يجب على هؤلاء أن لا يظلوا محايدين أو صامتين. عليهم أن ينحازوا إلى تعز أولاً، وإلى اليمن ثانياً.
عليهم أن يقولوا لأبناء تعز المشاركين في هذه الفتنة، وبصوت واحد وعالٍ: إنكم تخوضون حرباً عمياء لا هدف ولا نهاية ولا مبرر لها، ولا فائدة ترجى منها. لقد استدرجتم محافظة تعز إلى هذه الحرب من غير اتفاق بين أبنائها، ومن راية واضحة ولا قيادة واعية.
يا أهلي في تعز، اعلموا أن الحرب ليست لعبة، ولا هواية، ولا وسيلة لتحقيق أي هدف. فقط، تكون الحرب مشروعة في حال الدفاع عن النفس ومقاومة الظلم وبشرط أن لا يترتب عليها قتل الأبرياء والاستدراج إلى الوقوع في الظلم مهما كان صغيراً.
ولا شك أن ذلك يتطلب توافقاً بين غالبية أبناء المحافظة، على الأقل. لكن يا أهلي في تعز، فبسكوتكم ساهمتم بشكل أو بآخر في تدمير تعز. فهي في الوقت الحاضر قد دُمِّرت أو قل إنها، تقريباً، قد دُمرت، وأنها معزولة، أو قل إنها شبه معزولة، إن سمعة أبنائها قد شُوهت أو قل إنها قريبة من التشويه.
يا أهلي في تعز، إنكم تحاربون من أجل غيركم. ومع كل ذلك فإنه لا أحد من هؤلاء يلتفت لماذا حدث ويحدث لتعز والمنتمين لها كذلك. فالكل منشغل إما بتبرير ذلك أو تحميل الآخرين مسئولية ذلك. لا شك أن ذلك وخصوصاً لأبناء تعز يشابه الجدل البيزنطي الذي كان يجري في بيزنطة حول الرأي الأصوب فيما يخص الإجابة هل البيضة وجدت أولاً أم الدجاجة؟ فإثبات أحقية أي رأي على الآخر لن يكون له أي أثر على الواقع. في حين أن مدينة بيزنطة كانت تتعرض لحرب مدمرة.
يا أهلي في تعز، فعبد أن تدمر تعز لا يهم من كان السبب. فأبناء تعز هم الذين يدفعون الثمن الآن، وسيدفعونه في المستقبل. كيف يمكن القبول بتدمير تعز بحجة حمايتها، وهو ما يدعيه كل من يشارك في تدميرها؟
يا أهلي في تعز، أفيقوا من غفلتكم، وتأملوا في أنفسكم، وكيف تنساقون إلى حوض معارك غيركم ليس من الآن، وإنما منذ وقت طويل؟
يا هلي في تعز، اعترفوا بأخطائكم الكبيرة التي تسببت في وصول محافظتكم إلى هذا المستوى من التردي.. ما كان سيحدث لتعز ما حدث لو تخلص أبناؤها من أنانيتهم المفرطة، كبرهم المتعاظم فيما بينهم. فبكل صراحة ووضوح فإن أبناء تعز هم الأقل تراحماً فيما بينهم، والأقل تقديراً لبعضهم البعض. فالكبير لا يرحم الصغير سواءً كان الكبير في السن أو العلم أو المال أو الجاه أو غير ذلك. والصغير لا يقدر الكبير كذلك.
من لا يقبل بذلك فليفسر لي لِمَ لا يوجد في كل قرى تعز وفي المحافظة أي قيادة تقليدية أو غير تقليدية، ولماذا يُكرَّم أبناء تعز البارزون خارج تعز ولا يكرمون فيها؟
لا يمكن تفسير ذلك بالعلم والثقافة والتحضر والسلمية. فحب الإنسان لنفسه وأقاربه وجيرانه لا يعني كراهيته للآخرين. فالله تعالى يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
يا أهلي في تعز، لا يمكن تفسير ما يجري في محافظتكم إلا من خلال إدارك حجم الأنانية والكبر الذي أصاب، على الأقل، غالبية أبناء هذه المحافظة. فصارت تصرفاتهم نتيجة لذلك كتصرفات الفراشات. فهي كثيرة، ولكن كثرتها لا قيمة لها. إنها لا تتعامل مع بعضها البعض بالاحترام والتقدير، فلا تسمع لبعضها البعض، ولا تعتبر من تجارب بعضها البعض. إنها تحاول أن تحبر كل شيء وتغتر بتجربتها، وإن كان ذلك يفقدها حياتها. لذلك فإنها لا تستفيد من النور وكيف تعاملت سابقاتها معه. كلها، وفي وقت واحد، تقترب منه أكثر من اللازم، فيكون مصيدة لها، ذلك أنها تحترق به وبشكل كبير وملفت للانتباه.
يا أهلي في تعز، إن لم تهتموا بأنفسكم وتعطوا لها قيمة، فلن يهتم بها ولن يعطيها أحد غيركم القيمة التي تستحقها. فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، ومن خفت موازينه فأمه هاوية ويصلى ناراً حامية. فالأنانية والكبر هي الهاوية، وقد وقعتم فيها، وتصلون نارها.
يا أهلي في تعز، عليكم أن تسعوا لتشكيل لجنة من ثلاث شخصيات، وشخصية تمثل كل من وقع في الفتنة من الطرفين المتحاربين، وشخصية تمثل الفئات الصامتة أو المحايدة. ويتم تفويض هذه الشخصيات سماع وجهات كل الأطراف وتبني المواقف المناسبة لإنصاف كل من وقع عليه ظلم.
فالله تعالى يقول: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ الحجرات)) [الحجرات:9-10]
وعلى هذه اللجنة أن تناقش مطالب محافظة تعز، وتحدد المطالب المشروعة، وتسعى لتحقيقها من خلال استخدام الوسائل المشروعة. صدقوني أن ذلك هو أفضل وسيلة للتعبير عن مظلوميتكم ورفعها بأقل التكاليف لكم ولليمن.
فإن نجحتم في ذلك، فسوف تنهون الفتنة الحالية وما ترتب عليها من قتل وتدمير للأجساد والأرواح. وفي هذه الحالة ستنقذون محافظتكم وسمعتكم ومستقبلكم، وستكون طليعة للمناطق الأخرى التي تعاني من مشاكل مشابهة، وتنقذون اليمن.
لا شك أن ذلك سيعيد الاعتبار لتعز ولأبنائها، وسيكون وصف محافظة تعز بعاصمة العلم والثقافة والتحضر والسلم والإبداع والتطور وصفاً حقيقياً.
أدعو الله أن يوفقكم إلى سبل الرشاد، وأن يصرف عنكم سبل الغي التي أنتم فيها.
*وزير المالية الأسبق
نقلا عن وكالة خبر