الطائفية تضرب المنطقة بأيدي آل سعود
بقلم / ياسر النجار
في غفلة من الزمن وجدنا أنفسنا في منطقة ملتهبة، وقد قادتها المملكة العربية السعودية إلى حالة من الانقسام الرهيب والمخيف ما بين سنة وشيعة، في خلاف واختلاف مذهبي طائفي بغيض، لا نعلم إلى أين يذهب بنا ذلك التقسيم، وسط إصرار من المملكة التي تنتهج الوهابية مذهبًا، على العداء المعلن والصريح لإيران، وجر باقي الدول السنية خلفها في صف العداء، الذي لا يربح منه أحد، بل تخرج الأمة كلها خاسرة في النهاية، ويربح الصهاينة الذين يريدون تدمير الأمة كلها وهم في أمان.
وتناولت تقارير استخباراتية سربتها بعض وسائل الإعلام الغربية، وتناولها موقع “ويكليكس” الذي تخصص في تسريب المستندات الخاصة بعدد من الحكومات، التطورات الحادثة في العلاقة بين المثلث “السعودي – التركي – الإسرائيلي”، والذين تلاقت مصالحهم في تفتيت وتدمير المنطقة، ولكل منهم حساباته الخاصة، فالرياض تسعى لصد ما تعتبره خطرًا شيعيًا يهدد بقاءها كدولة، في حين يسعى الأتراك لاستعادة استعباد الأمة الإسلامية من خلال ما يسمونه “الخلافة”، والتي انهارت في عهدهم وحدة العالم الإسلامي، وكفر كل المنتمين للأمة بالأتراك وكل ما هو تركي، في حين تأتي مصلحة “بني صهيون”، في اشتعال المنطقة وانهماك الشعوب والحكومات العربية والاسلامية بالاقتتال الداخلي، والذي ينهك قوات الجميع، وتصبح الأراضي المحتلة لقمة سائغة لهم، ويفتح لهم هذا الأمر التوسع والتمددد في المنطقة.
وبالرغم من أن اللقاءات التي تتم في هذا الإطار الثلاثي تدار في الخفاء، إلا أن إسرائيل كلها على دراية بتفاصيل هذا الأمر، حيث تحدثت عنه صحفهم مرارًا، كما أن قادة إسرائيل يعلمون ذلك، حتى أن صحف إسرائيل تحدثت عن اتفاق تم مع الرياض، بالعمل على ضرورة نزع السلاح من حركة حماس في غزة، مشيرة إلى أن مصر أيضا أيدت تلك الخطوة، أو على الأقل لم تستنكرها، بسبب موقفها من حركة حماس، التي بايعت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر وتقدم لها كل المساعدات ضد النظام المصري، إلا أن القاهرة لم تتدخل في الاتصالات القائمة بين الرياض وأنقرة وتل أبيب، بالرغم من جمود الموقف بين مصر وإيران، إلا أنها لا تريد المزيد من التوتر مع طهران، بل سعت في مناسبات عدة للوصول لحالة من التفاهم. إن النظام المصري الحالي، لا يفكر بنفس الطريقة التي تفكر بها السعودية أو تركيا، فالنظام المصري كاره للحروب التي تدمر الاستقرار، ولا يدفع فتورتها سوى البسطاء من الشعوب، وتسعى مصر لترسيخ مباديء الوفاق والحوار لإنهاء القضايا العالقة في المنطقة، وقد أعلنت ذلك عندما طلب منها الدفع بقوات في سوريا أو في اليمن، فمصر المتعقلة تنبذ العنف وترفض تسوية الخلافات بدماء الشعوب. وتدرك مصر أن أي تحالف يضم تركيا لا يمكن أن يكون في صالح القاهرة، خاصة أن حزبها الحاكم “العدالة والتنمية” ورئيسها رجب أردوغان يدعمان جماعة الإخوان الإرهابية، ويعادون النظام المصري برئاسة الرئيس عبدالفتاح السيسي، بل الأكثر من هذا كيف يكون للقاهرة موقف مؤيد للكيان الصهيوني، والتي تدخل ذلك التحالف لخلق حالة من الحرب بين المسلمين السنة والشيعة، لتكون هي الرابح الأول فيما يجري وتمر به المنطقة من اضطرابات.
ومن ناحية أخرى فإن الفكر الوهابي الذي تأسست ونشأت عليه المملكة السعودية، يتعارض مع الوسطية الدينية التي تتمتع بها مصر، فذلك النهج الذي ابتدعه “محمد ابن عبدالوهاب”، يعادي كل ما هو وسطي، حتى المختلفين معه من أهل السنة لا يسلمون من تكفير الوهابية، وقد نشأت الجماعات الإرهابية من رحم ذلك الفكر المتطرف، والذي سقط بسببه آلاف القتلى من المسلمين في الحجاز وحدها، وهاي هي الجماعات الإرهابية التي تشعل المنطقة، تتحدث أيضا بلسان ابن عبد الوهاب، الذي أضر بتشدده الأمة الإسلامية كلها. وقد نتج عن السياسات الخاطئة التي انتهجتها المملكة اشتعال الحروب في العراق وسوريا واليمن، بشكل مباشر بدعوى مواجهة ما تسميه بالمد الشيعي، رغم أن سوريا والعراق لم تعرف عبر تاريخها أي خلافات مذهبية بين السنة والشيعة، كما لا ننسى تعطيل السعودية لانتخاب رئيس جديد للبنان حتى يومنا هذا، بسبب خلافها مع حزب الله اللبناني، ورغبتها في أن يكون الرئيس مواليًا لها، ولا تكون لها مواقف أو اتصالات أو حتى أي تفاهم مع حزب الله، والذي تريد المملكة ألا يكون له دور في البلاد، بالرغم من أنه قوة ردع للكيان الصهيوني، ولكن تحالف السعودية مع إسرائيل، يزيل علامات الاستفهام التي قد تحيط بالأمر، هذا بالإضافة إلى دورها في إسقاط النظام الليبي ومقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، الأمر الذي أدى لتدمير ليبيا ووقوعها فريسة في يد الجماعات الإرهابية. وتكشف القراءة المتأنية للمشهد المتخبط في المنطقة، أن السعودية تخوض معركة على أكثر من محور في مواجهة أنظمة متعددة، والتحالف معها في ذلك الوقت يعني المشاركة في هذه الجبهة “الملتهبة”، وهذا يعني أن كل من يقوم بخطوة كهذه سيعرض شعبه للخطر في معركة ليست معركته من الأساس، وهي معركة مجانية فالرياض لن تدفع مجددًا لأحد بسبب ما تكبدته خزائنها من خسائر بسبب ضريبة الحرب التي تخوضها على أكثر من اتجاه في وقت واحد