عن نية الملك سلمان التنازل عن العرش.. والمعضلة في اليمن
بقلم/ عبدالباري عطوان
يحتفل الاعلام السعودي، وعلى استحياء شديد هذه الايام، بمرور عام على تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش خلفا لشقيقه الملك عبد الله، ولكن الانجازات التي تغنى بها هذا الاعلام تبدو محدودة جدا، بينما تغرق البلاد، وفي زمن قياسي في صغره، في حروب بلا قاع في سورية واليمن، واخرى في مواجهة معظم الدول المنتجة للنفط، وشركاته، بعد فشلها في السيطرة على انهيار اسعاره، والاهم من ذلك حربها مع شركات النفط الصخري الامريكية العملاقة التي انتهت بإفلاس معظمها، ولوبيات شركات النفط هي الاضخم والاقوى في امريكا، بعد لوبي السلاح، واللوبي الاسرائيلي.
واللافت ان هذه الاحتفالات تزامنت مع تقرير خطير لمعهد “شؤون الخليج الفارسي” ومقره واشنطن، تحدث عن نوايا العاهل السعودي للتنازل عن العرش لابنه الامير محمد، ولي ولي العهد وزير الدفاع، والحاكم الفعلي للبلاد، واكد التقرير ان الملك سلمان زار اشقائه الكبار الواحد تلو الآخر، ومن بينهم الامير طلال بن عبد العزيز، اكثرهم انتقادا لسياسات المملكة، ومعارضته لتولي الملك سلمان الحكم، ناهيك عن تعيين الامير محمد بن نايف وليا للعهد، والامير محمد بن سلمان نائبا له، وهدف هذه الزيارات اطلاعهم على نواياه في ترك الحكم، وتولي ابنه العرش وهو على قيد الحياة.
السعوديون، ونحن نتحدث هنا عن القيادة، والدائرة السياسية والاعلامية المحيطة بها، يتحسسون كثيرا من الكتابة، ولو بموضوعية عن شؤونهم الخاصة، ويعتبرون ذلك تدخلا في شؤونهم الداخلية، خاصة اذا كان الكتاب من العرب من امثالنا، ولكنهم ينسون انه من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، تجاهل الكتابة عنهم، لانهم يدسون اصابعهم وانوفهم في اكثر من جبهة في المنطقة والعالم، فهم يخوضون حربا ساخنة مباشرة في اليمن، واخرى بالانابة في سورية، وباردة ضد ايران، ويشكلون احلافا عسكرية عربية، واخرى اسلامية بزعامتهم، ويحشدون لتشكيل تكتل سني طائفي الطابع، ويؤسسون مجلس تعاون استراتيجي مع تركيا على هذه الارضية، ويتزعمون جبهات دولية لمحاربة الارهاب، ويحددون هوية المعارضة السورية، ويشكلون وفدها الى مفاوضات جنيف، فاذا كان كل هذا لا يعتبر تدخلا في شؤون الآخرين الداخلية، فماذا نسمية اذا، وكيف لنا ان نتجاهله، وندير وجهنا الى الناحية الاخرى، وهي غير موجودة اساسا لانهم في كل الجهات الاربع.
وفي ظل هذا الاقصاء للصحافة العربية وكتابها الباحثيين حتى عن نصف الحقيقة، بدأت المملكة تفتح ابوابها مواربة للصحافيين الغربيين، من امثال الصحافي والكاتب الامريكي توماس فريدمان، ومندوب مجلة “الايكونوميست” البريطانية المعروفة، الامر الذي يعطينا وامثالنا من الفضوليين، الفرصة للتعرف على بعض الجوانب في السياسات والحروب السعودية التي يقتصر الحديث عنها عربيا مع الصحافة الرسمية وعدساتها.
مجلة “الايكونوميست” التي انفردت بلقاء الامير محمد بن سلمان لمدة خمس ساعات، ونشرت في عددها الاخير تقريرا عن زيارة مندوبها للجبهة الجنوبية، وقيادتها في منطقة نجران الحدودية مع اليمن، التقرير كان صادما لما ورد فيه من معلومات تنشر للمرة الاولى، فقد اكدت المجلة ان صواريخ الحوثيين تضرب في وسط المدينة، حتى ان احداها من نوع “كاتيوشا” سقط على بعد امتار من مقر الجنرال سعد العليان، قائد هذه المنطقة، ودمر نوافذ مكتبه، والواجهة الزجاجية لفندق جديد من المقرر افتتاحه بعد بضعة ايام، واكد معد التقرير ان اهالي نجران هجروا منازلهم في المدينة الى اطرافها الشمالية بحثا عن الامان، وان اكثر من 7000 مواطن جرى اجلائهم من قراهم الحدودية لتأمينهم في اماكن اخرى.
الاعلام السعودي لا يعتبر الحرب في اليمن التي تقترب من اكمال عامها الاول من انجازات العهد الجديد رغم ان الامير محمد بن سلمان يصر انه انتصر فيها، وسيطر على ثمانين في المئة من الاراضي اليمنية باستثناء اكبر ثلاث مدن ومحافظات يمنية هي صنعاء وتعز وآب، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما، فمعظم المدن التي حررتها قوات التحالف العربي، بما فيها عدن والمكلا والضالع وابين، باتت في يد تنظيم “القاعدة” او منافسه “الدولة الاسلامية”، جزئيا او كليا.
معضلة السعودية في اليمن مزدوجة، فبالاضافة الى التكاليف المادية والسياسية والبشرية الهائلة في الجانبين، واليمن بصفة اساسية، هناك “كوكتيل قاتل”، او بالاحرى تحالف خطير جدا تواجهه، يضم قوات مقاومة حوثية تشكلت على غرار “حزب الله” في لبنان، وتملك مقاتلين اشداء، جيش جمهوري يتزعمه “داهية” اسمه علي عبد الله صالح، امتلك خبرة قتالية عالية في حرب العصابات، من ضمنها خوض حرب انفصال عام 1994، وست حروب ضد التمرد الحوثي على حكمه في حينها، وهذ الجيش يملك دبابات وصواريخ باليستية، اما الجانب الآخر من المعضلة، فهو تدفق نصف مليون يمني عبر الحدود السعودية بحثا عن العمل والامن، وتورط السعودية في تحمل مسؤولية 25 مليون يمني آخر في زمن انخفضت فيه اسعار النفط الى ما دون الثلاثين دولارا، وعلينا ان نضع في اعتبارنا ان النفط السعودي، ومعظمه من النوع الثقيل يقل خمسة دولارات عن هذا السعر القياسي.
تحقيق نصر سعودي في اليمن مستبعد كليا في المستقبل المنظور، والتوصل الى حل سياسي كمخرج للازمة يزداد صعوبة مع انهيار مفاوضات جنيف، وتأجيل جولتها القادمة الى اجل غير مسمى، والشيء الوحيد الممكن والمتاح للقيادة السعودية هو التركيز على “كيفية ادارة الحرب وليس كسبها”، ووضع حساباتها على اساس استمرارها لسنوات او حتى لاجيال قادمة.
الدعاة الكبار في السعودية صاموا، او معظمهم، عن الحديث عن هذه الحرب، او الحروب الاخرى، باستثناء القلة القريبة من القيادة، والعاملة في مؤسسات الدولة، ايثارا للسلامة، فاذا كانت تغريدة واحدة انتقادية على “التويتر” تكلف صاحبها عقوبة سجن لعشر سنوات، فكيف الحال لو اعتلى بعضهم المنابر منتقدا ومحذرا ومحرضا؟
الشيخ سلمان العودة، الداعية المعروف، كسر هذا الحاجز جزئيا عندما لخص الموقف برمته في جملة قالها لمندوب مجلة “الايكونوميست” مفادها، ما الفائدة من انفاق المليارات وتحمل خسائر بشرية بالآلاف اذا استمرت الامور تدور في المربع الاول، او “اذا كنا سنظل محلك سر”؟
ليعذرنا الاشقاء السعوديون اذا تدخلنا في شؤونهم الداخلية، فنحن اولى من “الايكونوميست” وتوماس فريدمان، لان حروبهم تؤثر علينا ومستقبلنا، ومئات الملايين مثلنا في عالمنا، بشقيه العربي والاسلامي