“حزب التحرير” الإسلامي في تونس.. أي مستقبل?
منذ انتهاء حكم زين العابدين بن علي والسؤال عن المكونات الإسلامية في تونس وحجمها ومدى انتشارها وعوامل قوتها وتنوعاتها يطرح نفسه بقوة? وذلك للوقوف على حجم هذا المكون الذي ي?ْنتظر له أن يكون فاعلا جديدا على الساحة السياسية والاجتماعية في الفترة القادمة.
حزب “التحرير” الإسلامي أحد أهم هذه المكونات الإسلامية في البلد العربي الذي تشهد ساحته تغييرات جذرية. وهو (التحرير) حركة أو “تكتل” إسلامي سياسي عابر للحدود? يدعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية الراشدة “على منهاج النبوة” ليتوحد المسلمون تحت مظلتها.
وينظم هذا التكتل نفسه كحزب سياسي ينشط في كافة المجالات? وخاصة المجال السياسي والإعلامي والفكري? ويرى أن على المسلمين أن يتخلصوا من الحدود القومية التي تفصل بين دولهم.
تأسس حزب التحرير عام 1953 في مدينة القدس الشرقية (تحت الحكم الأردني)? على يد القاضي الفلسطيني? تقي الدين النبهاني? بعد تأثره بأحوال العالم الإسلامي آنذاك إثر سقوط الخلافة العثمانية في تركيا عام 1924. فهو يرى أن نكبة فلسطين? ما كانت لتحصل لو كانت دولة الخلافة الإسلامية قائمة وشرع الله مطبق. وكان النبهاني ـ الذي توفي عام 1979 في بيروت ـ على علاقة جيدة بعدد من قادة ومفكري حركة الإخوان المسلمين في مصر إلا أنه لم ينضم إلى اليهم.
ينتشر حزب التحرير في مختلف بلدان العالم تقريبا? وينشط بين الأقليات المسلمة في الدول الأجنبية? لكنه محظورا ومطاردا من قبل معظم أنظمة الحكم في البلدان العربية والإسلامية.
“التحرير” في تونس
وإذا كان “حزب التحرير” مشرقي المولد? إلا أن أدبياته الأولى وأفكاره بدأت تصل إلى المغرب العربي في أوائل الثمانينات? من خلال بعض الطلبة الدارسين في جامعات ومعاهد أوروبا فضلا عن بعض المغاربة الذين ذهبوا إلى أفغانستان وباكستان. وتعد تونس من أوائل بلدان المغرب العربي التي وصل إليها حزب التحرير وبدأ نشاطه فيها.
ففي يناير/كانون ثان من العام 1983 وفي عهد الرئيس بورقيبة? عقد عدد من الإسلاميين المؤمنين بفكر الحزب ـ والذين كانوا على مدار سنوات منخرطين في نشاطاته ـ الاجتماع التأسيسي الأول لهم? وأعلنوا عن تأسيس الفرع التونسي للتحرير? وأصدروا في أعقاب ذلك دورية سرية أطلقوا عليها اسم “الخلافة” ووزعوها داخل المساجد للتعريف بأفكارهم.
وينسب إلى هذه النشرة السرية دور كبير في بث أفكار “التحرير” ليس في تونس وحدها بل في كافة دول المغرب العربي تقريبا.
واعتمادا على المعلومات القليلة المتوفرة? فقد تول?ت قيادة الحزب في هذه المرحلة المبكرة من ظهوره مجموعة (مدني?ة ـ عسكرية) بالتوافق فيما بينها? ومن رموزها: الطاهر العيادي? ومحمد فاضل شطارة? ومحمد جربي. وكانت إستراتيجية الحزب تقوم على غرس أكبر قدر ممكن من العناصر داخل الجيش, لتتمكن? في نهاية المطاف مجموعة من الضب?اط الإسلاميين من الانقضاض على السلطة من الداخل.
وتقول التقارير التي تناولت هذه الفترة إن المجموعة التي مثلت اللبنة الأولى للتحرير في تونس خططت للاستيلاء على السلطة بالقوة? بهدف تأسيس دولة إسلامية? وذلك بعدما نجحت في استقطاب عشرات من ضباط الجيش? الذين أمدوهم بالذخائر الحربية والأسلحة الخفيفة استعدادا لقلب نظام الحكم? إلا أن السلطات تمكنت من الوصول إليهم وتصفية مخططهم في وقت مبكر.
وقد تم? اعتقال وملاحقة معظم قياديي الحزب وبينهم عدد من العسكريين? في النصف الثاني من عام 1983 بتهمة تشكيل جمعية سياسية? والانتساب إليها? وحضور اجتماعاتها? وتحريض عسكريين على الانتساب إلى هذه الجمعية. ومثل آنذاك أمام المحكمة العسكرية ثلاثون عضوا وصدرت أحكاما بالسجن وصلت إلى ثماني سنوات على عدد من القادة والكوادر? من بينهم (محمد جربي) زعيم حزب التحرير في تونس.
مسلسل من الملاحقات والمحاكمة
ظلت السلطات التونسية تتوج?س خيفة من تغلغل هذا الحزب داخل مؤسسات الدولة, لذلك ربطت السلطات عدة مرات بين نشاطاته ومحاولات انقلابي?ة لإسقاط نظام الحكم? أحدها عام (1986). وهو ما جر على أعضاء وكوادر التحرير فيما بعد مسلسل من الملاحقات والمطاردات لم ينته إلا بنهاية رأس النظام الحاكم نفسه.
ففي مارس/آذار1990 تم? تقديم مجموعة كبيرة من أعضاء الحزب ضمت 228 عضوا إلى المحاكمة بتهمة توزيع منشورات في المساجد. وأعقبها محاكمات أخرى في الأعوام 1994 ? و1996 .
وبعد صدور قانون مكافحة الإرهاب عام 2003 قدر حقوقيون ومحامون معدل الإحالات التي طالت الإسلاميين أسبوعي?ٍا على القضاء بهذه التهم في حدود 10 إحالات أسبوعيا.
وفي سبتمبر 2006 قضت محكمة الدرجة الأولى في تونس العاصمة بسجن ثمانية أشخاص أربع سنوات وأربعة شهور بعد إدانتهم بالانتماء إلى منظمة محظورة (حزب التحرير) وعقد اجتماعات من دون الحصول على ترخيص? فيما قررت إخلاء سبيل خمسة معتقلين? لعدم وجود أدلة كافية على علاقتهم بالتنظيم. وقال أقرباء للمتهمين إن السلطات صادرت كتبا?ٍ ونصوصا?ٍ ل