بلاد الصين وتيانجين وحاملة الطائرات
لا يستطيع زائر بلاد الصين تجاهل التحول الكبير الذي بات سمة واضحة من سمات المشهد العام في الصين على امتداد أراضيها الشاسعة وحدودها المشتركة مع عدد كبير من بلدان القارة الآسيوية إضافة إلى روسيا.
والتحول المقصود ليس على صعيد الاقتصاد والانفتاح على الخارج فقط? بل يمتد على قوس واسع من حياة الشعب الصيني بقومياته المختلفة التي يقارب عددها نحو (56) قومية? منصهرة في إطار الوطن الصيني على قاعدة المواطنة التي لا تميز بين مواطن وآخر أو بين قومية أو حتى بين ديانة وديانة.
في المشهد الصيني? تتربع الآن مدينة تيانجين باعتبارها المدينة الثالثة في الصين بعد مدينتي شنغهاي وبكين? وقد تحولت من مدينة صغيرة متواضعة جنوب بكين وعلى بعد نحو (160) كيلومترا?ٍ منها لتصبح المدينة الثالثة في الصين? بحضورها العمراني والاقتصادي والاستثماري في مختلف المناحي? حيث ترتفع الأبراج والأبنية الطابقية على امتداد مساحات المدينة? وتتنوع تلك الأبراج في استخدامها واستثمارها بين الأعمال الفندقية وكونها مقرات لشركات الاستثمار الصينية وغير الصينية الوافدة للمدينة ومنها الاستثمارات الأوروبية التي بدأت منذ سنوات ترى في الصين موئلا?ٍ مناسبا?ٍ لبناء استثماراتها الصناعية وتحديدا?ٍ مع التسهيلات التي باتت تعطيها الحكومة المركزية في بكين لجميع المستثمرين. وانطلاقا?ٍ من ذلك فإن صور ووقائع المشهد الغربي الأوروبي حاضرة أيضا?ٍ داخل المدينة بدءا?ٍ من محال (كارفور) ومطاعم (البيزا هات) و(كنتاكي) وصولا?ٍ إلى المطاعم الإسلامية (مطاعم الحلال) الموجودة أصلا داخل المدينة منذ زمن بعيد انطلاقا?ٍ من وجود كتلة سكانية إسلامية صينية داخل المدينة? وانطلاقا?ٍ من وجود أعداد متزايدة من الطلبة العرب الدارسين في جامعات المدينة? وهم في أغلبيتهم من اليمن? وسلطنة عمان? ومصر? وسورية? وفلسطين
وفي جانب آخر? قد لا يبدو واضحا?ٍ للجميع? فإن مدينة تيانجين تحظى الآن في حضور متميز في الجانب المتعلق بمهنة الطب البشري? حيث يقع وسط تيانجين ثلاثة من المشافي هي الكبرى في جمهورية الصين الشعبية? وخاصة منها المشفى المركزي الأول والمختص بزراعة الأعضاء البشرية ومنها (الكلى والكبد) وقيل أيضا?ٍ بأن تجارب عديدة تجري داخل المشفى لإطلاق عمليات زرع البنكرياس في مرحلة لاحقة? حيث لا تزال عمليات زرع البنكرياس محدودة الانتشار في العالم? وقليلة النجاح حتى في أرقى مشافي المعمورة في (مايوكلينك) في الولايات المتحدة الأميركية.
ويذكر بأن (مشفى تيانجين الأول) شهد ومازال يشهد قدوم أعداد متزايدة من المرضى العرب? الذين يقصدون المشفى المشار إليه لإتمام عمليات زرع الأعضاء (زرع كامل للكلى? وزرع جزئي للكبد على الأغلب) وخصوصا?ٍ من مصر? وسلطنة عمان? والإمارات المتحدة? والمملكة العربية السعودية? وسورية مؤخرا?ٍ… وفي زيارتي الأخيرة للصين ولمدينة تيانجين قبل أيام خلت? كان مشفى تيانجين الأول هدفي الأساسي في الزيارة? والذي سبق أن أجريت فيه عملية (نقل كبد) قبل أربع سنوات على يد الجراح العالمي (جيو جي جين)? فأجريت مراجعة عامة كانت نتائجها طيبة ومريحة ومطمئنة? إلا أن بعض أهم المواقع التي تشكل موئلا?ٍ لزائري مدينة تيانجين من أبناء البلاد العربية والإسلامية? هي مساجد مدينة تيانجين حيث يوجد في المدينة أكثر من مئتي ألف مواطن من مسلمي الصين من قومية (هوي) الذين مازالوا متمسكين بانتمائهم الإسلامي مع تمسكهم بوطنهم الصيني انطلاقا?ٍ من مقولة (حب الوطن من الإيمان).
وفي تلك المساجد يلحظ وجود الهامش الجيد من الحريات التي توفرها الحكومة المركزية لمختلف أصحاب الديانات والمعتقدات بمن في ذلك أبناء الديانة الإسلامية التي تشكل الديانة الثانية في الصين بعد البوذية. فقد دخل الإسلام الصين قديما?ٍ جدا?ٍ في عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان? وفي عهد الخلافة الأموية وصل عدد الب?ِعثات الإسلامية المرسلة إلى الصين إلى (16) بعثة? ثم حدث التطور النوعي عندما وصلت جيوش المسلمين بقيادة قتيبة بن مسلم الباهلي? غرب الصين? ليصبح (الايغور) في عداد المسلمين منذ أواخر أيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. وزاد انتشار الإسلام في الصين منذ منتصف القرن السابع الميلادي عن طريق الحرير وطريق البخور البحري عن طريق المسلمين القادمين من بلاد العرب والفرس وآسيا الوسطى بمن فيهم التجار والمبعوثون والعلماء? الذين كانوا غالبا?ٍ ما يستوطنون مدن الصين الساحلية وعرفوا باسم ضيوف (فانكه) أي (الضيوف الأجانب).
وفي القرن الثالث عشر الميلادي تدفقت نحو الصين جماعات إضافية من أقوام آسيا الوسطى من المسلمين مع قوات المنغول العسكرية وأجهزتهم الإدارية فاستقروا في العديد من المناطق المترامية الأطراف من الصين بصورة مبعثرة وانصهروا مع مسلمي أحفاد (ضيوف فانكه) الذين سبقوهم إلى بلاد الصين ليشكلوا قومية منصهرة هي قومية (هوي) المسلمة? إضافة لمجموعات المسلمين الموجودة أصلا غرب الصين وفي بعض مناطق الجنوب.
ومن المواقع الم