سلطنة عُمان .. رسول السلام في زمن الحرب
بقلم / محمد انعم
تحتفل سلطنة عمان الشقيقة قيادة وشعبا بالعيد الوطني الخامس والأربعين في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد الذي استطاع في سنوات قليلة ان يقود مسيرة تحولات كبيرة بنجاح بعد ان كانت تعيش البلاد أوضاعا اكثر تخلفا على مستوى دول المنطقة ..
لقد قاد السلطان قابوس بن سعيد السلطنة في احرج مرحلة من تاريخها وأنقذ البلاد والشعب العماني الشقيق من الغرق وسط طوفان من الصراعات الداخلية والتخلف والفقر ، واعاد للسلطنة مجدها وللشعب العماني العظيم مكانته الحضارية بين الشعوب ، من خلال تبني مشروع نهضوي استهدف بناء الانسان والوطن في ان واحد ، وفي ذات الوقت رسم سياسة داخلية وخارجية ما تزال مثار اعجاب واحترام شعوب العالم ..
نعم لقد نجح السلطان قابوس في تدوين تاريخ ميلاد جديد لبلاده بإسكات أصوات البنادق التي كادت ان تقضي على الشعب العماني ، فوحد كل أبناء الوطن في صف واحد لخوض معركة بناء المستقبل السعيد الذي يتطلع له ابناء الشعب العماني الشقيق ..
اليوم.. تقدم سلطنة عمان الشقيقة بقيادة السلطان قابوس حفظه الله تجربة فريدة ومتميزة للدول العربية والإسلامية وللعالم ..تجربة تستحق ان تطبق وتدرس وتستفيد منها البشرية جمعاء ، فهي بأمس الحاجة اليها للخروج من مستنقع التصارع الدموي العبثي الذي يطحن عالمنا اليوم ..
ان سلطنة عمان الشقيقة دون دول المنطقة تعيش بعيدة عن طوفان الكراهية والتصارع والتكفير والتفجير ..هذا الشر الذي يهدد بتدمير دول المنطقة ، بينما نجد السلطنة تسخر إمكانياتها لخدمة الإنسانية والأمن والسلام ، ولا تعاني من طوفان أمراض الكراهية التي تعصف بالعالم .
سلطنة عمان دولة لها ماضي عريق في تاريخ البشرية وليست صنيعة استعمارية فقد كانت امبراطورية مترامية الاطراف على مر التاريخ وامتد حكمها ليشمل العديد من دول العالم ، فهذا الماضي التاريخي العريق اهلها للعب دور عظيم في عالم اليوم ..
ويكفي هنا ان نشير الى سياستها الرافضة للأساليب القديمة والمتخلفة والمتمثلة باستخدام القوة والقتل والتجويع والحصار الشامل ضد الشعوب الاخرى ، وتبنيها سياسة داخلية وخارجية حكيمة .. ترسخ قيم السلام والتسامح والإخاء والعيش المشترك والتعاون المتبادل وعدم التدخل في شؤون الاخرين وتقديم العون والمساعدة دون من او أذى ..
لم تنتج سلطنة عمان في سياستها الداخلية عناصر متطرفة او إرهابية مثل الدول المحيطة بها ، وايضا لم تنتهج سياسة عدوانية مع الدول الخارجية وظلت تتخذ قراراتها ازاء الكثير من القضايا العربية والاسلامية والخليجية تحديدا وفقا لقناعاتها الإنسانية العظيمة والتي اثبتت السنوات صوابيتها وحكمتها وبات يعترف بذلك جميع من تهوروا بالأمس بقرارات طائشة ، ولكن بعد فوات الأوان ..
لا نبالغ ان قلنا ان سلطنة عمان تحمل مشروعا حضاريا لدول المنطقة وللعالم ..مشروعا ينتصر فيه الانسان والدول والشعوب على التخلف والتعصب والتطرف والاستغلال والاضطهاد والاستبداد تطبيقا لشعار (الحرية ..الاخاء ..المساواة ..) شعار الثورة الفرنسية التي ألهبت العالم ، ولكن سقطت امام عواصف الأحقاد والكراهية والتعصبات المذهبية والعرقية والنزعات العدوانية والاطماع الاستعمارية والتوسعية بسبب نزوات تجبر مدمرة ..
في خارطة العالم وتحديدا دول المنطقة وحدها تقف سلطنة عمان بعيدة جدا عن نيران الصراعات العبثية سواء منها التوسعية او الطائفية ..فكل دول المنطقة تكاد تغرق مثل فرعون زمانه ولم تتعلم من حكمة سلطان سلطنة عمان الذي ظل يرفض التدخل في شؤن مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها ، و يحرص على حل الخلافات سلميا دون التورط في سفك دماء الأشقاء ..
تمتلك فعلا مسقط فلسفة متميزة في حل الازمات السياسية وإخماد الصراعات على مستوى دول المنطقة ..تخاطب العقل بمنطقية وواقعية انطلاقا من قيم ومبادئ تعظم من شان الإنسان وتنتصر لحقوقه كشخص او كمجتمع .. تتعامل مع الأحداث التي تزلزل المنطقة والعالم تعامل الكبير .. أي كبير القوم وهي هكذا ..
ان موقف سلطنة عمان الشقيقة قيادة وحكومة تجاه الشعب اليمني والدور الكبير الذي تبذله لحل الازمة اليمنية سلميا ووقف الحرب و انهاء الحصار الجائر على الشعب اليمني ، سيظل محفورا في وجدان كل اليمنيين الى يوم البعث والنشور .. فقيادة السلطنة لم تتهرب او تتخلى عن اليمن في هذه المحنة الشديدة ، بل انها وبشجاعة نادرة تقوم بمسؤلياتها الدينية والأخوية والإنسانية وحق الجوار تجاه الشعب اليمني ، وتخوض ليل نهار معارك دبلوماسية شديدة في كل المحافل الاقليمية والدولية ووسط لهيب نيران مستعرة في معركة تستخدم فيها أسلحة محرمة دولية ضد الشعب اليمني وسط صمت دولي مخجل ..ووحدها مسقط لم تتخل عن الشعب اليمني وتدافع عنه دفاع الابطال ..
وبعد ثمانية أشهر من العدوان على اليمن وحدها تبقى مسقط محط أنظار العالم الذي بات مقتنعا ان الوساطة العمانية هي الخيار الوحيد لحل الازمة في اليمن سلميا وانقاذ دول المنطقة من كارثة محدقة بسبب تداعيات قرار مجلس الأمن 2216 ، لاسيما بعد وصول الدول الدائمة في مجلس الأمن الى طريق مسدودة وعادوا الى مسقط لدعم جهودها وإنجاح وساطتها الحكيمة ..
بالتأكيد لقد استطاعت القيادة العمانية ربط الأداء والانجاز الداخلي، بالسياسة الخارجية وبالتحركات النشطة إقليمياً ودولياً نظراً لما تتمتع به من علاقات متميزة مع مختلف القوى والأطراف الاقليمية والدولية ، خصوصا وقد أكدت بحق أنها دولة سلام، وتسعى إلى تحقيق السلام والوئام لدول وشعوب المنطقة، وحل المشكلات بالطرق السلمية، وعبر الحوار الإيجابي .. بعيدا عن أية أجندة خاصة لها وهو ما أكسبها مزيدا من ثقة واحترام كل الأطراف في المنطقة وخارجها .
فتحية للأشقاء في سلطنة عمان بهذه المناسبة الغالية ..وتحية لمواقفهم التاريخية مع الشعب اليمني ووقوفهم الى جانبه في هذه المحنة الشديدة القسوة التي يتسابق فيها الشقيق قبل الصديق لقتلنا ..ووحدها تقف السلطنة تدافع عن اليمن أرضا وإنسانا وترفض الحرب والحصار ..
ان هذه المواقف الشجاعة والعظيمة هي واحدة من ثمار السياسة الحكيمة التي جسدها السلطان قابوس بن سعيد في عهده المرصع بالانجازات والتحولات التاريخية الداخلية والخارجية ..وهي مواقف لن ينسيها الشعب اليمني ابدا..