قراءة لعدد من نصوص ديوان “إشارات العنبر رقم 13 “
إشارات العنبر رقم 13
أشعار برغم الاعتقال .. وفضاء الحرية الغائم !
هذه المجموعة ” إشارات العنبر رقم : 13أشعار برغم الاعتقال” للأديب الشاعر محمد صادق العديني أول ديوان يصدره. وتنقل قصائد الديوان تجربة الاعتقال لنحو عامين قضاهما في العنبر رقم (13) بسجن إب المركزي أواخر كانون الثاني (يناير) عام 1998 حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 1999. ويذكرنا ـ ولو من بعيد ـ ب”العنبر رقم (6) للقاص الروسي العظيم أنطون تشيخوف.
وإذا كان يتردد وصف الجمال كثيرا?ٍ بالشعر والشاعرية? فيقال مكان شاعري? أمسية شاعرية? منظر شاعري ..الخ. فكيف يكون السجن مكانا?ٍ للشعر أو موضوعا?ٍ له?
ليس من شك في أن تجربة السجن مريرة وقاسية? لكن مشاعر الكرامة وعشق الحرية تتوهج في قلب الفنان? وتفيض في طوايا نفس الشاعر التي تأبى الضيم? فتقدح زناد التحدي? وخلجات الإبداع لتتغلب بالشعر على جدران السجن الصماء, وقبح القضبان الباردة. ويكشف الشاعر ويكتشف في آن معا?ٍ واقع الوطن السجين الذي يتقلب معه كمدا?ٍ من الظلم وراء الأسوار إذ يقول” كيف أحمل بلادي ـ مقتولة في دمائي ـ وكيف لا أستغيث? ـ أو أرسم على جدران الضوء
.. وردة الحنين”. ( من قصيدة إشارتان في الخطايا).
تومئ العناوين الرئيسية للقصائد في المجموعة بدلالات صوفية : الإشارة? الإشارتان? الإشارات. وحتى القصيدة الوحيدة التي حملت عنوان “ابتهالات” تفيض بالوجد الصوفي” والروح تسبح بجلال الخشية ـ تسافر في فضاء النجوى .. الخ”
ويواصل الشاعر ابتهالاته في ختام المقطع الأخير من قصيدته: ” إلهي ـ ومن لي سواك ـ ينير الطريق ـ فإني غريق ـ تطارده نائبات الليالي ـ وتؤلمه حشرجات الحريق”
? ولست أدري أمن وطأة الاغتراب حول الشاعر : الغريق المناجي ربه إلى صيغة الضمير الغائب بقوله : تطارده .. وتؤلمه ـ بدلا?ٍ من تطاردني .. وتؤلمني ?! .
تتنادى في طوايا قصائد المجموعة أصداء لا تخفى من جبران خليل جبران? ومواجيد شعراء الصوفية? وأساليب شعراء وشعر الحداثة بتنوعها الخصب وتغيراتها المتصلة .
لكنها تمتلك نكهتها المتميزة وقوامها الخاص فيؤالف الشاعر بين ثقافة أدبية متنوعة ومواكبة دؤوبة لجديد العطاء الشعري الذي تزخر به القصيدة الحديثة.
كما تغوص بنا قصائد المجموعة في أزمة الإنسان العربي وغربة المثقف? وتنقل ذبذبات اللوعة المكتومة في صدورنا وجوانحنا المأزومة بليل الإحباط والهزائم المتتالية? وفداحة الثمن الذي تدفعه الأجيال من معاناة القهر والاستبداد حين يمسك بتلابيب مصائرنا? ويسوقنا إلى المجهول.
ولكن الروح تظل تتعلق بالحب وتواجه القنوط بوهج من فرح : ” كلما أليل الليل ـ
اشتعلت في العيون قناديل الأسئلة ـ واستحالت الأرواح ركاما?ٍ من شجن ـ هذه الأحلام?أطلال آمال ـ زادها الليل المحمل بأوجاع الأنين ـ عذابات ووله ـ فاسقني بالحب كأسا?ٍ من ألم ـ إني بأحزاني ـ وهج من فرح”(من قصيدة إشارات حب).
وبرغم الغضب النبيل الذي يعتمل في وجدان الشاعر من وحشة سجنه فإنه يستدرجنا إلى عالمه بأسلوب جذاب ولغة مكثفة تعجننا معه في تضاعيفها لوعة واسى: ” لا أعرف من البداية سوى
الرحيل” ( من قصيدة إشارات السفر) . وفي ” إشارات الرغبة”:” لم تتبق لي سوى حب??ِات من الذل والكبرياء” وفي قصيدة إشارات التسول : “أشتهي أن تقبض روحي ـ وأرحل بكبرياء العاشقين” ويبلغ الشاعر ذروة الأسى حين يطلق من الأعماق زفرات يكسوها السواد فيقول: ” الليالي القادمات ـ لا تحمل غير الموت ”
لكن هذا الخطاب الذي يسوقنا في خضم ضباب يزداد عتمة إلى التيه? يسترجعنا قليلا?ٍ إلى بصيص الأمل الشاحب: ” وكي لا أضيع ـ أحاول أن أنشر روحي ـ واقتسم مع الرحيل النهاية “(من قصيدة إشارات السفر).
وبرغم غلالات الإحباط والضجر والقنوط التي تلف? أغلب قصائد المجموعة? وتعكس أثقال العذاب في نفس الشاعر? وألوان المعاناة من واقع الحياة فإنها تعكس أيضا?ٍ جانبا?ٍ آخر من الصورة يتعادل مع هذا الواقع الز?ري .. بالتمرد والرفض الذي يكاد ينطق في ثنايا كل مقطع وجملة شعرية . ويحرك فينا مشاعر الغضب والغيرة على حياتنا ووجودنا? فلا نستسلم للمهانة والقهر .. ولا نسلم أعناقنا عاجزين عن الفعل والتغيير: ” من يرغب منكم في قهر الذل ـ فليقهره هنا ..
ـ فوق موائد الجوع? في الروح ـ في حفلات الخوف “(من قصيدة إشارات الرغبة).
ويظل الشاعر أمينا?ٍ لمنابته الفكرية ومكوناته الأدبية المعاصرة? وفيا?ٍ لخلان الروح? وصحبة الرؤى المشتركة عشاق الحرية فنرى إهداءاته :”إلى شريكة الآلام والآمال..زوجتي الحبيبة انتصار” قصائد (إشارات حب ـ إشارات وجد ـ إشارة), والى ” الشاعر الراحل نبيل السروري” قصيدة(إشارات قلقة),وقصيدتا (إشارات الخجل ـ وابتهالات) إلى أبيه?وقصيدة (إشارات الخوف) إلى أمه , وقصيدة “إشارات السفر إلى صديقي اللدود أبو أزال, وقصيدة ” إشارتان” إلى الشاعر العربي الراحل أمل دنقل, وقصيدة ” إشارتان للعمر” إلى “رفيق الدرب الذي انقطع “عبدالمؤمن الخربي, وقصيدة (إشارات العسكر) إلى الشاعر العربي مظف