جيشنا البطل .. يسجل لك التاريخ صفحات المجد والرفعة
لم يكن حل الجيش العراقي? انصياعا من بريمر لإرادة بعض تابعية المحليين? كما ذكر في مذكراته.
فهو? وآلاف الجنود الاميركان? مع أخر ما أنتجته الا?له الحربية الأميركية? لم ياتوا للعراق لتحقيق رغبات تابعين? يعرف بريمر أنهم صنائع دوائر مخابراته? لا يمتلكون إلا قول نعم? وتنفيذ ما يريده هو لا مايريدون منه.
ان حل الجيش لابد ان يكون قرارا اتخذ بنفس اليوم الذي اتخذ به قرار غزو العراق. بل حتى قبل ذلك بكثير.
كشف محمد حسنين هيكل في إحدى طلعاته على قناة الجزيرة في انه اطلع على مسودات مذكرات بريمر عند ناشرها البريطاني ? وفيها يؤكد بريمر بأنه امر بحل الجيش استجابة لطلب إسرائيل منه . إلا أن هذه الفقرة حذفت من المذكرات عند نشرها . بالعودة لمشروع شارون – ايتان الذي نشرته مجلة كيفونيم التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982 ?تحت عنوان “إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات” . والتي تكشف توجهات إسرائيل والصهيونية العالمية لتفتيت وتقسيم الدول العربية إلى دول صغيرة ومتناحرة ? كانت حصة العراق منها ? ثلاث دول . ويرى المشروع ان قوة الدولة العراقية تأتي من مصدرين هما الجيش والنفط ? لذلك فحل الجيش العراقي وتبديد اموال النفط سيضعف الدولة العراقية ويجعلها هشة أمام مشروع التقسيم ذاك هو التاريخ الذي بدا به اعداء العراق بالتفكير بحل الجيش العراقي والقضاء عليه.
ان حل الجيش العراقي ? لم ياتي فقط من الرغبة في التخلص من تهديده ومخاطره على الدولة العبرية ? بل لدوره في تحقيق الوحدة الوطنية ? كبوتقة لصهر أبناء العراق من المناطق المختلفة ? والانتماءات الدينية والطائفية والاثنية المختلفة ? ليتفاعل بعضهم ببعض ? وإلغاء الغرابة التي يمكن ان يضفيها البعد والانعزال عن الاخر ? كما هو الغاء الصور النمطية المسبقة التي قد تكون تشكلت حيال الاخر بسبب عدم التفاعل معه او معرفته عن قرب . لذلك أصر قادته الأوائل ? ومؤسسي الدولة العراقية الحديثة على فرض قانون الخدمة الإلزامية ? رغم معارضة دولة الانتداب بريطانيا العظمى على ذلك ? التي حركت تابعيها الصغار ليتصدوا للقانون ? ويثيروا مخاوف المواطنين منه . ان القراءة الدقيقة لحرب الكويت بكل ملابساتها ? تشير إلى ان تدمير الجيش العراقي ? أصبح ضرورة امنية ملحة بالنسبة للغرب وإسرائيل بالضبط يوم 6 كانون الثاني 1990 ? عندما أطلق العراق بمناسبة عيد الجيش اول صاروخ بالستي ? صناعة محلية ?فأصبحت كل صحف الغرب والعالم في اليوم التالي ? وصورة الصاروخ على صفحاتها الأولى ?معلنة الإنذار الخطر من التهديد القادم من العراق لإسرائيل ? والمصالح الغربية ? تصاعدت بعدها الأزمة لتنفجر في الكويت . . كانت بريطانيا تريد جيشا صوريا ? على شاكلة قوات الشرطة ? لحفظ الآمن الداخلي ? مع عجز كامل عن الدفاع عن استقلال البلد ? وحمايته وحماية مواطنيه . لكن تشكيل الجيش وتوسيعه جاء ايضا كاستجابة للمطالبة الشعبية بذلك ? وإلزام دولة الانتداب ? والحكومة المشكلة من قبلها . مثل العراقيين حالة فريدة من امتزاج المشاعر والعواطف والإرادات للمطالبة بتنمية قدرة العراق على الدفاع نفسه بنفسه . تجلى ذلك الموقف بأحلى صوره بعد مهاجمة الإخوان الوهابين لعشائر مدينة الناصرية وقتل 694 شخصا من أبناء العشائر في ظاهر مدينة الناصرية . فتنادت الفعاليات والرموز الوطنية في النجف وكربلاء والموصل وبغداد والكاظمية لعقد مؤتمر في كربلاء للمطالبة بتولي العراقيين مهمة الدفاع عن أراضيهم ومواطنيهم .
قاد الشيخ مهدي الخالصي في مظاهرة شعبية مجموعات من أهالي الكاظمية وبغداد للمسير في تظاهرة الى كربلاء? وقاد الشيخ عبد الوهاب النائب ومجموعة من مشايخ الطائفة السنية وفود بغداد والاعظمية . كما قاد مولود مخلص وسعيد ثابت وفود مدينة الموصل ? وقاد مولود مخلص وفود تكريت والشرقاط ? التي قدمت مضبطة للشيخ الخالصي من أهالي المدينتين يبدون فيه استعدادهم الكامل للدفاع عن أهل مدينة الناصرية بالمال والسلاح والرجال . كانت مظاهرة رائعة أرعبت قوات الاحتلال وسلطة الانتداب البريطانية ? فأوعزت لبعض من تابعيها من شيوخ العشائر لعقد مؤتمر مضاد في الحلة يطالب بعدم الاستجابة لنداء قادة العراق في مؤتمر كربلاء والمطالبة بتولي القوات البريطانية مهمة الدفاع عن العراق .
كان تأسيس الجيش ? كما قلنا إرادة شعبية ? واذا تكلمنا بلغة الطائفيين اليوم ? كان ارادة شيعية ? بدا الدعوة لها مراجع الشيعة وعلمائهم ? وساندهم اخوتهم من مشايخ السنة . ولعل الإصرار على عقد المؤتمر في كربلاء? دلالة واضحة على ان تأسيس الجيش وتوسيعه كان إرادة وطنية تجاوز فيها الشيعة والسنة خلافاتهم الطائفية لصالح قوة الوطن ورفعته ? وحمايته من اي خطر خارجي . وهذا ما يدحض الأكذوبة التي يروج لها أنصار مشروع شارون – ايتان من ان تأسيس الجيش تم على أسس طائفية ? او كما يتطرقون للترويج لفكرة تقول إن الغاية من تشكيل الجيش هي قمع الشيعة ? وتطرف حامد البياتي في كتابه ” شيعة العراق بين الطائفي