تقرير صادر عن مؤسسة انديشه سازان يكشف عن سعي السعودية الدائم للنفوذ في اليمن
شهارة نت – تقرير :
لعبت السعودية دائماً دوراً تدخلياً في اليمن، معتبرةً هذا البلد حديقتها الخلفية، بحيث أن غالبية الشعب اليمني وبصرف النظر عن الدين والتوجهات السياسية أو الطبقة الاجتماعية، يعتقدون أن السعودية لها دورٌ هام في زعزعة استقرار اليمن، وهو الأمر الذي یواجه مقاومة الشعب والأحزاب والقوى السياسية المستقلة في اليمن.
وللسعودية خلافات حدودیة وقانونية مع جميع جيرانها تقريباً، بما في ذلك قطر والإمارات واليمن وعمان والكويت والعراق وجمهورية إيران الإسلامية، لذلك فإن لهذا البلد قضايا حدودیة غير محسومة (علنية وسرية) مع جيرانها.
ولكن بین السعودية واليمن نزاعات حدودیة أوسع من البلدان الأخرى، وهذا قد أدی في كثير من الأحيان إلى نزاعات حدودية بين البلدين. فالحدود بین السعودية واليمن لم یتم تحدیدها في الخريطة وعلى أرض الواقع، وهذه هي الحدود الوحيدة في غرب آسيا التي كانت تتصف بهذه الميزة، وكان السبب في ذلك أن النزاعات على الأراضي بين البلدين قد غطّت مناطق واسعة.
اليمن یدّعي ملکیة محافظات عسير ونجران وجيزان التي تسیطر علیها السعودية، وقد أحیلت هذه المحافظات للسعودية وفقاً لاتفاق الطائف عام 1934 ولمدة عشرين عاماً، ومُدِّدت هذه المعاهدة في أعوام 1954 و 1974 و 1995، على الرغم من رغبة اليمن وتحت الضغط السعودي.
التاريخ السياسي وتاريخ الصراع بين اليمن والسعودية یوحي بأن العداء وعدم الثقة هو الذي خیّم على المناخ الاستراتيجي وعلى الأقل على التواصل والتفاعل بين البلدين، وقد واجه مثل هذا المناخ تقلبات مقطعیة، ولكنه لم یكن سلمياً وخالياً من الصراع یوماً، ويمكن أن نری ذروة هذا الصراع اليوم في شكل هجمات السعودية الجديدة على اليمن.
فالسعودية لا تتحمل يمناً موحداً وقوياً في شبه الجزيرة العربية، ولذلك فقد قامت منذ بداية الوحدة اليمنية بالدور الأكبر في خلق الفوضى في اليمن، فعلى سبيل المثال، تمردت القبائل اليمنية في أبريل 1990 ضد وحدة البلاد بتحريض من السعودية.
ومما لا شك فيه أن الجغرافيا تلعب دوراً حاسماً في العلاقات بين البلدين، فاليمن نتیجةَ سیطرته علی الشمال والشمال الغربي من ممر باب المندب المائي وقربه من القرن الأفريقي، یتمتع بأهمية استراتيجية، وهذا الأمر لا یخفی علی السعودية.
وميناء عدن هي أقرب منطقة استراتيجية في الیمن من باب المندب، وهو بمثابة جبل طارق في آسيا، وأيةُ قوة عسكرية تبسط هيمنتها علی هذه المنطقة، فبإمکانها الاستیلاء علی القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وحتى تستطیع من خلال إغلاق مضيق باب المندب، أن تجعل قناة السويس من دون استخدام.
وبهذا الوصف اجتذب الموقع الاستراتيجي لليمن أنظار القوى التوسعية مثل الإمبراطورية العثمانية، بريطانيا، إيطاليا، السعودية، الاتحاد السوفيتي وحتی أمريكا، وکل منها حاولت الهيمنة عليه، ولکن في النصف الأخير من القرن الماضي كان دور السعودية وبدعم من الغرب أكثر وضوحاً من غيرها.
فالموانئ النفطية والصناعية والتجارية الكبرى للسعودية مثل ميناء جدة، تقع على الساحل الشرقي والبحر الاحمر. ومن جهة أخرى فإن قدرة السعودية على الوصول إلى المجاري المائية، تساوي العبور من مضيق هرمز وباب المندب، الذین تسیطرعلیهما جمهورية إيران الإسلامية واليمن، وهو الأمر الذي لا يتوافق مع الدور السعودي الباحث عن التفوّق في شبه الجزيرة العربية.
لذلك، فإن السعودية تسعى خلال العقدين الماضيين إلى تغيير مسار تجارتها وإيجاد طرق جديدة في البحر الأحمر وكذلك بحر العرب من خلال عمان، الأمر الذي سیکون صعباً جداً بسبب وجود حقول النفط الكبيرة في شرق السعودية وتكاليف البناء وأمن وصيانة أنابيب النفط، ولا يُغني هذا البلد عن مضيق هرمز.
لقد حاولت السعودية دائماً توسيع نفوذها في الیمن، واستخدمت مختلف التدابير لتحقيق ذلك، مثل الإجراءات السياسية والاقتصادية والأمنية؛ شراء رؤساء القبائل ودفع المال لهم، اختراق الهياكل الحكومية، دعم الأحزاب التابعة لها وغیرها.
وبشكل عام، فقد استندت أهمّ توجهات السياسة الخارجية للسعودية تجاه التطورات الأخيرة في اليمن، إلى المحاور التالية:
1. عدم تشكيل الديمقراطية في اليمن،
2. الحیلولة دون تسارع الأحداث، ومحاولة إدارتها والسيطرة عليها،
3. الحفاظ علی هيكلية الحكومة اليمنية السابقة، والسعي إلی إیصال الأشخاص والتیارات التابعة لها إلی السلطة،
4. بذلُ الجهود وحتى العمل العسكري من أجل الحد من نفوذ الأحزاب والجماعات المستقلة.
تمشياً مع الأهداف المذكورة تعمل السعودية علی تعزیز الجماعات التکفیریة المسلحة في اليمن مثل تنظيم القاعدة، وهذه الجماعات تنشط نتيجةً لهذا الدعم، الذي یشمل إیصال المعدات الحربیة إلیها، ولديها النفوذ في بعض المحافظات.
وفي الواقع إن ما یجري في العراق فیما یتعلق بتنظیم داعش، يحدث الیوم لتنظيم القاعدة في اليمن أیضاً، حیث أن انتشار هذا التنظیم وتوفّر المنطقة الجغرافية لنشاطه، سیترك الباب مفتوحاً أمام نفوذ وتدخل السعودية في اليمن، وسیقود اليمن في المستقبل نحو الاتجاه الذي حدث في العراق.
مؤسسة ” انديشه سازان” للدراسات الاستراتيجية