حكومة المراضاة !?
ربما لأننا في أول تجربتنا الديمقراطية التي تم تدشين مراكبها في أول أشهر 2005م ونجاحنا في العبور إلى الضفة الثانية من الحكم دون دبابات وأعواد مشانق وبيانات لمجلس قيادة الثورة وغيرها من فلكلور الحكم مما اعتدنا عليه مع فجر أول يوم من أيام انقلابات عسكرنا ومن يقف ورائهم من الداخل والخارج منذ ما يقرب من نصف قرن? حيث ارتضينا في أول انتخابات تتجاوز النسب الفلكية المعروفة في هذه البلاد ( 99?99 ) ويمتدحها أناس غير مرتشين أو متملقين? أسلوبا أخرا للوصول إلى القصر الجمهوري دون قتال وإراقة دماء او الاستحواذ على كل شيء في القصر وما حوله من مال ونفوذ وجاه وحكم? حتى وان تمت العملية باستخدام طريقة ( المراضاة ) العراقية المعهودة لكي نتجاوز الفاصل او الساتر السايكولوجي!? وربما ايضا تضايق الكثير وتململ وتشكى من تأخير تشكيل الحكومة التي تمثل نتائج صراعنا السلمي الذي وقع يوم 7 اذار 2010م? في الأشهر الأولى للتجاذبات التي رافقت عملية جر الحبل بين المتنافسين على كعكة السلطة والمال? الا ان ما حصل اخيرا يؤكد بداية مقنعة الى حد ما في تداول السلطة وان كان جبر الخواطر هو ما رافق هذه البداية طالما يتم استبعاد التداخلات الجراحية والألوان المثيرة التي تنتجها تلك الجراحة? والاستعاضة عنها بتقاسم غنائم العملية سلميا حتى وان استخدمت طريقة ( المراضاة ) وتبويس اللحى والعناقات المكتظة بـ عفى الله عما سلف التي نأمل ونتمنى أن لا تفعل فعلتها كما حصل وأطاحت بالزعيم الكريم عبدالكريم قاسم رحمه الله قبل ما يقرب من نيف وخمسين عاما? حقا لقد نجحت نخبنا السياسية وزعمائها في إقامة حكومة شراكة وطنية ساهم ويساهم فيها الجميع دون كسر لخواطر احد الا من وصفهم رئيس الوزراء المبتلى بتشكيل هذه السلطة? بأصحاب المقعد او المقعدين في مجلس النواب الأخير الذين طالبوا بشدة وإلحاح وإصرار على دخول الحكومة? لكن كرنفال جبر الخواطر لم يشملهم? مما قد يؤدي بهذه المقاعد المتناثرة هنا وهناك الى بلورة كتلة برلمانية تقوم بأداء مهمة المعارضة تحت سقف البرلمان وتعمل على مراقبة الحكومة ومحاسبة أعضائها الذين يمثلون الأكثرية الساحقة من الكتل والأحزاب السياسية? او ربما تؤدي عملية اشتراك كافة القوى في هذه الحكومة الواسعة من حيث يدرون او لا يدرون إلى نشوء وتطور جيل أخر من المعارضة خارج المجلس او ربما خارج المنطقة الخضراء ليسهل عليها استخدام وسائل أخرى في التعامل مع الأخر من خلال كاتمات الصوت او العبوات اللاصقة والناسفة بدلا من ضجيج مجلس النواب وصراخات بعض الأعضاء او شخيرهم? ان نجاح السيد المالكي في تشكيل الحكومة لن يخفف عليه صعوبات جمة سيواجهها وهو يقود فريق وزاري تجاوز عدده الاربعين وزيرا يفترض انهم يمثلون كافة الكتل والأحزاب وزعمائها والمقربين منهم من المنسوبين والمحسوبين والعشائر والشخصيات العراقية كل حسب حجمه وحصته وتأثيره? مما سيحيل الوزارة الى مجلس للأعيان أكثر من كونها سلطة تنفيذية حسب ما جاء في برنامجها او تعهدات كتلها واحزابها التي دفعتها الى سدة الحكم? وسيترك ذلك اثارا بالغة على مدى مصداقية الشعارات والأهداف المتوخاة من تشكيل حكومة شراكة وطنية ساهم فيها الجميع بينما خلت مقاعد البرلمان من أية معارضة منظمة او غير منظمة الا ما كان منها بضع شظايا هنا وهناك لا تضر ولا تنفع? لقد نجحت النخب السياسية العراقية في تجاوز محنة الحكومة بتشكيل حكومة المراضاة أي التراضي لكنها فشلت في السماح بنشوء وتبلور معارضة وطنية تستخدم وسائل برلمانية ديمقراطية في مراقبة ومعارضة السلطة والنظام عموما? مما قد يؤدي الى تفاقم استخدام أساليب أخرى تحت مسميات وشعارات أفضلها فساد الحكومة واتعسها مقاومة المحتل ولا تخضع لسيطرة هيئات الرئاسة او أنظمة التحاور النيابي!?