لأن?ا حاورنا الأزمة
يكرر الحاكم ألاعيبه, ونكرر الندب, كأننا لم نختر الخيبة منذ البدء, لم نختر محاورة الأزمة, لم نختر مداهنة البلوى.
يبدو واضحا?ٍ أن الرئيس يمتن للظروف السيئة بأكثر مما نمتن, ويبدو أن انتظارنا سيطول إذا ما ضللنا نعول على شيخوخته البادية, ما زال يبدي فتوتة وعنادا?ٍ في مغالبة الإنهيارات, يصدق فيه قول الشاعر: « وحكما?ٍ عجوزا?ٍ حناه المشيب.. .. وما زال طغيانه أمردا «.
لا رهانات جادة في المواجهة, لا تحديات حقيقية, لا معارضة فتية ترجح الكفة.
ثمة صيحة مبكرة للفضيل الورتلاني لنخبة التغيير في اليمن: « ثوروا قبل أن يثور المنتقمون «, يمكن على أساسها قراءة الكثير مما يحدث على مستوى فعل التغيير في بلادنا.
يتخلف العقل فيتقدم الجنون, الخيارات اليائسة تضاعف العبء على قوى الفعل, تشضي المشهد المناهض يعزز قوة الفساد, ويوثق لحالة من الحسابات المحاذرة التي تفسح المجال أكثر للجموح المقوض للجميع.
ما أقسى أن نعيش إنتظارا?ٍ, وما أصعب أن يطول بنا الإنتظار تحت كل هذا الخراب, اليمن لم تعش حالة فقدان يقين كما هي اليوم, الكل يسأل برعب إلى أين نحن ذاهبون?
كلهم ينتظر, كلهم في وضعية إنتظار, وكلهم محبط?َ ويائس?َ ومفلت?َ للزمام.
آن للمعارضة أن تفعل وتقول جديدا?ٍ, آن لها تبرأ من التعويل على ما يجئ من صالح وحزبه, لقد لدغت بما يكفي لكي تسمم حياته, آن لها أن تتحمل عبء معارضتها كاملة في وطن?ُ لم يعد يجد ما يعول عليه سواها.
ليس بمقدور الحاكم أن يتحمل ثورة الجياع, ليس بمقدوره الجلوس على مدى?ٍ من نار, لا مكان لأغلبية وسط السخط الغالب.
علينا التضحية بمخاوفنا, لن نخسر بأكثر مما منينا به, ليس علينا أن ننتظر, ليس علينا أن نقضي العمر مبررين إنتظاراتنا في عراء السياسة والفاقة والقهر.
أشك في أننا نراكم ثقافة نضال في واقع?ُ نفقد فيه إمكانات البقاء, ولا نملك فيه القدرة على الحفاظ على صيرورة الفعل ولا ضمان شروط تحققه, أشك في أننا نراكم شيئا?ٍ في بلد?ُ آخذ?ُ في التقوض والإنحسار, كل ما فيه يتراجع وينكمش أمام طغيان الفساد والفاسدين, لسنا الفاعل الوحيد, الظروف السيئة تقوض أداء آتنا وخطاباتنا وبوتيرة متسارعة وبأكثر مما نتصور, الفقر, التخلف, العبث العام, الأزمات الخانقة تتهددنا في الصميم, لسنا اللاعبين الوحيدين, تفعل السلطة فعلها في توسيع اللعبة ومكاثرة اللاعبين, وما يربكها يربكنا دون شك.
ندرك أن العمل السياسي في اليمن حرب?َ فعليه, السياسة بحسب الفيلسوف ميشيل فوكو « إستمرار?َ للحرب بوسائل أخرى « في المجتمعات التي تأسست على مفهوم الحرب لا على مفهوم سيادة القانون حيث يكون النظام نظام معركة وحيث تغدو مؤسسات الدولة ترسانة في مواجهة المجتمع.
فوكو في كتابه « يجب تقوية المجتمع « يتحدث عن عصبية الدولة دولة العرق, ودولة الحزب والطبقة, كما في حالتي ألمانيا والأتحاد السوفيتي سابقا?ٍ.
في بلادنا تجتمع مواريث التخلف كلها مشكلة طامتنا العتيدة هذه, العصبوية, الغلبة, العسكرة, الحزب الواحد, محارب الجميع.
لا أدري أي جاهزية ينتظر المقصيون خارجا?ٍ, هو الآن يظن علينا حتى بالدور الذي نكرهه, دور الخسران, لا يريدنا أن نزاحمه على صندوق?ُ قرر أن يكون له صاهلا?ٍ بالأغلبية.
لكل منا كوابيسه, محاذيره, هواجسه, لكل قلقه, أرقه, خوفه الخاص, للجميع متاعب?ْ ومصاعب?ْ مشتركة, مواريث ألم جامعة, تواريخ من رهاب يثقل العزم, يكبل الخطى, يجهض الوثبات, لكل إرثه الذي يكبر ويتعاضم كلما أطال الإنتظار مكانه, علينا أن نختار إما أن نحرس حياتنا وحرياتنا أو أن نظل حراسا?ٍ لهذا الرعب الذي يسكننا ويسجننا بأكثر مما يفعل السجن والسجان.
نحن دائما?ٍ ومع كل موقف?ُ جرئ وشجاع ومكلف ربما نفكر بما نحن عليه, لا بما يمكن أن نكون عليه, نفكر بمدى قدرتنا على تحمل العبء, بما يمكن أن يكلفنا, في حين لو نظرنا إلى ما يمكن أن يكسبنا, وإلى أين يمكن أن يذهب بنا في الإتجاه الصحيح, فلربما ترجحت كفة المغامرة.
السياسة تقتضي المجازفة, والفعل الجسور, تستوجب حسابات متجاوزة غالبا?ٍ, يجب ألا نموت ونحن نحاور قاتلينا, يقتضي الظرف فعلا?ٍ وقولا?ٍ يتجاوزان التلويح والتلميح, ما عادت اليمن تحتمل صلف الحاكم وألاعيبه الصغيرة, لم تعد تطيق الإنتظار.
الصحوة نت