حكومة العرب الخفية?
هذه مصادفة كاشفة ساقتها إلينا الأقدار: أن تتولى الأجهزة الأمنية في مصر إدارة المعركة الانتخابية وقمع المرشحين غير المرضي عنهم بطريقة فجة وقسوة غير مسبوقة.
وأن تقوم شرطة مكافحة الشغب في الكويت بالاعتداء بالضرب على عدد من النواب المعارضين والمستقلين لأول مرة في تاريخ التجربة البرلمانية في الكويت.
وأن يتزامن ذلك مع اجتماع لقادة الشرطة والأمن العرب في تونس. ذلك أنني أزعم بأن ثمة خيطا رفيعا يربط بين الأحداث الثلاثة له دلالته المهمة في الفضاء العربي الراهن.
الذي فعلته الأجهزة الأمنية في مصر بالمرشحين والمندوبين والناخبين والقضاة وأعضاء اللجان بات معلومات للكافة? إذ تكفلت تلك الأجهزة? مستعينة بعناصر “صديقة” من البلطجية وأرباب السوابق بتنفيذ تعليمات “تأديب” كل من تحدى مرشحي الحزب الوطني.
أما الذي حدث في الكويت مساء الأربعاء الماضي (8/12)? فخلاصته التي تناقلتها التقارير الصحفية? كما يلى:
عقد بعض النواب المعارضين اجتماعا في ديوانية أحدهم (النائب جمعان الحربش)? لمناقشة ما اعتبروه مخالفات للدستور نسبت إلى الحكومة? وهي واحدة من سلسلة لقاءات دعا إليها أولئك النواب لذات الغرض.
وحين عقد الاجتماع تبين أن القاعة لا تتسع لكل الحاضرين? الأمر الذي اضطر بعضهم للوقوف خارج سور المنزل? ولأن التعليمات تقضى بأن لا يكون للندوات التي تعقدها المعارضة أي وجود خارج ديوان النائب? فإن وقوف البعض خارج البناية بدا مخالفة? تعاملت معها القوى الأمنية بسرعة? فانهالت بالضرب على الواقفين.
وحين خرج أعضاء مجلس الأمة من داخل الديوانية للتفاهم مع الضباط المشرفين على العملية? فإن بعضهم استقبل بالهراوات? الأمر الذي أدى إلى كسر يد أحدهم? ونقل اثنين منهم إلى المستشفي للعلاج.
هذا المشهد جديد تماما على الكويت? حيث لا يخطر على بال أحد ممن اقتربوا من التركيبة السياسية والاجتماعية هناك أن أعضاء مجلس الأمة يمكن أن يتعرضوا للضرب. رغم أننا صرنا نسمع عن تعذيب في السجون وانتزاع للاعترافات بالقوة? إلا أن ذلك كله يظل في كفة وما حدث لأعضاء مجلس الأمة في كفة أخرى.
أدري أن الاعتداء على النواب المنتخبين ليس غريبا في مصر? حيث لا كرامة لمعارض? ومن جانبي أعرف ثلاثة منهم على الأقل تعرضوا للضرب رغم الحصانة(!) من جانب عناصر أمن الدولة? (هم النواب السابقون عصام العريان وحمدين صباحي ومحمد فريد حسنين)? إلا أنني ما توقعت أو ما تمنيت أن يأتي يوم تنتقل فيه العدوى إلى الكويت.
أخشى ما أخشاه أن تكون جرأة أجهزة الأمن المصرية على المجتمع? خصوصا مثقفيه وسياسييه? التي تضاعفت في ظل قانون الطوارئ? قد شجعت آخرين في العالم العربي على أن ينتهجوا ذات النهج.
وقد خطر لي ذلك لأنني ما زلت أذكر رأيا مماثلا سمعته ذات مرة من الأستاذ أحمد بهاء الدين? قال فيه:
إن الثورة المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي أهانت السياسيين والمثقفين من الناقدين والمعارضين? واتبعت معهم أساليب لم تكن معهودة.
ذلك أن هؤلاء كانوا يودعون عادة في “سجن الأجانب”? أو كانوا تخصص لهم عنابر متميزة في السجون العادية (كانوا يسمونها معاملة أ)? حيث جرت العادة على تزويد حجراتهم بالأسر?ة والمكاتب والكراسي.
في حين يقدم لهم طعام متميز قد يكون مستجلبا من الخارج? لكن ذلك كله ألغي بعد الثورة? وعومل السياسيون والمثقفون أسوأ معاملة? وتعرض بعضهم للتعذيب.
وقد أرتأى الأستاذ بهاء أن هذا الأسلوب كانت مصر “رائدة” فيه? وأن الدول العربية الأخرى اقتبسته وطبقته بجرأة على سياسييها ومثقفيها.
وإذا صح ذلك التحليل? فربما فسر لنا لماذا تجرأت الشرطة على أعضاء مجلس الأمة في الكويت? وفي بعض الدول الخليجية الأخرى.
ما علاقة الذي حدث في مصر وفي الكويت باجتماع قادة الأجهزة الأمنية العربية في تونس?
ليست لدي معلومات في هذا الصدد? لكن مساحة الاستنتاجات واسعة? ذلك أننا نعرف جيدا أن التعاون الأمني هو أهم عمل عربي مشترك تهتم به تونس? التي تحتضن منذ سنوات مقر واجتماعات وزراء الداخلية العرب.
كما أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل الدور المتعاظم للأجهزة الأمنية في العالم العربي? التي أصبحت القوة الحقيقية التي تديره
(لا تنس الدور القمعي الذي مارسته تلك الأجهزة في عم??ِان مؤخرا).
بالتالي? فإن تفاهمات قادة الأجهزة الأمنية العربية هي التي تزودهم بالجرأة التي تدفعهم إلى التمادي في القمع الذي نشهد تجلياته في مختلف الساحات العربية? والتي كان لمصر دور “الريادة” فيها.
هل يصبح قادة الأجهزة الأمنية بمضي الوقت أركان الحكومة الخفية في العالم العربي?!