((تقفيل))
لا أعرف من أين يستمد الناس أملهم في المستقبل في ظل استمرار حملة «تقفيل» مصر التي بلغت احدى ذراها في الانتخابات الأخيرة
(1)
«التقفيل» مصطلح تتداوله الألسن في أيام الانتخابات? ومقصوده لا أصل له في المعاجم اللغوية اذ المراد به اغلاق الدائرة لحساب أناس معينين ومصادرة أصوات الناخبين فيها لصالحهم? دون ان يكون لارادة أولئك الناخبين أي دور أو اعتبار.
وقد شاع ذلك التقفيل في الانتخابات التشريعية الراهنة? حتى بات من سماتها التي انعقد الاجماع من حولها (مع التزوير بطبيعة الحال).
وكان التقفيل مبالغا فيه لصالح مرشحي الحزب الوطني.
وليس واضحا الآن ما اذا كان المراد بذلك اقصاء الاخوان واستبعاد الأصوات المزعجة من مجلس الشعب الجديد? أم أريد به أيضا توفير اجماع المجلس على تأييد مرشح الحزب للرئاسة في العام المقبل? الذي نعرف حتى الآن أنه الرئيس حسني مبارك.
علما بأن الذين أداروا العملية الانتخابية لم يكونوا مضطرين الى ذلك الكم المشهود من التقفيل والتزوير? لأن الدستور المصري بعد تعديله اشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية تأييد 65 من أعضاء مجلس الشعب له و25 من مجلس الشورى اضافة الى عشرة أشخاص من المنتخبين في المجالس المحلية القائمة في 14 محافظة (المادة 76 من الدستور).
بكلام آخر فان الحزب كان ضامنا في أسوأ الظروف لعدد مؤيدي ترشيح الرئيس القادم. لكن البعض ارتأوا فيما يبدو ان يكون ترشيح المجلس للرئيس عند الحدود القصوى وليس الدنيا. من باب ابراز الالتفاف الشعبي حوله للعالم الخارجي. وهو يخوض انتخابات الرئاسة للمرة السادسة.
لكثرة ترديد مصطلح «التقفيل» في الفضاء المصري خلال الأسابيع الماضية. فقد بدا وكأنه صار أحد أهم عناوين البلد. وللدهشة فان المرء اذا ما تلفت حوله فسوف يكتشف ان تلك حقيقة وليست ادعاء.
ذلك ان ثمة شواهد عدة تدل على ان دوائر وأنشطة عديدة في بر مصر قد تم تقفيلها لحساب النظام الحاكم وأركان حزبه وأن أذرع النظام لم تتوقف عن تقفيل كل ما طالته أيديها.
(2)
لن نطيل الحديث عن تجربة الانتخابات التشريعية? بعدما أصبح قارئ الصحف اليومية على بينة مما جرى فيها? ولم يعد الأمر يحتاج الى مزيد من كلام
. لكني أذكر فقط بأن التقفيل لم يكن مقصورا على ما تم لصالح الحزب الوطني في لجان الانتخابات? ولكنه طال عملية تغطية الانتخابات ومتابعتها اعلاميا.
وتمثل ذلك في منع منظمات المجتمع المدني الجادة من مراقبة الانتخابات?
وفي حجب بعض البرامج التلفزيونية واقصاء مقدميها (ابراهيم عيسى وعمرو أديب مثلا)
وتهديد وتخويف أصحاب القنوات الخاصة?
وترويع مقدمي البرامج الحوارية من خلال الرقابة اليومية والانذارات?
ذلك غير اغلاق 12 قناة فضائية وانذار فضائيات أخرى.
وفي نفس الوقت التضييق على حركة المراسلين الأجانب وعدم السماح لمكاتب الفضائيات الخارجية باستخدام البث المباشر في متابعة الانتخابات أو أية أحداث أخرى تقع في الشارع? من خلال وضع شروط تعجيزية لذلك.
بين أيدينا نموذج طازج لحملة التقفيل لم يمض عليه أكثر من 48 ساعة.
ذلك ان المحكمة الدستورية العليا عقدت جلسة يوم الأحد الماضي 12/5 (لم أتعرف على نتيجتها بسبب موعد تسليم المقالة) للنظر في طعن مقدم في قانون تنظيم انتخابات النقابات المهنية رقم 100 الصادر في سنة 1993.
وهو الذي سلب اختصاص النقابات في تحديد مواعيد فتح باب الترشيح لرئيسها وأعضاء مجلس ادارتها? وفي تحديد المقرات ومراجعة كشوف أعضائها. وأحال ذلك الاختصاص الى رئيس محكمة جنوب القاهرة الابتدائية.
وبمقتضاها لم تعد أي نقابة مهنية مخولة في اجراء أي انتخابات الا اذا صدر قرار بذلك من رئيس المحكمة المذكورة.
وكان ذلك قيدا قانونيا أريد به شل حركة النقابات المهنية الفاعلة. وحين سلب اختصاص النقابات في اجراء انتخاباتها وأصبح ذلك مرهونا بقرار رئيس المحكمة? فان العملية أصبحت خاضعة في حقيقة الأمر لتقدير الأجهزة الأمنية.
وكانت نتيجة ذلك ان أهم 8 نقابات مهنية في مصر لم تجر فيها أية انتخابات منذ فترة تراوحت بين 15 و19 سنة. فاما أنها وضعت تحت الحراسة كما في نقابة المهندسين التي منعت فيها الانتخابات منذ 19 عاما.
أو تم رفض اجراء انتخابات جديدة? كما في نقابة الأطباء التي يرأسها الدكتور حمدي السيد منذ 16 سنة?
أما نقابات الصيادلة والبيطريين وأطباء الأسنان والمعلمين والتجاريين والزراعيين فقد وضعت تحت الحراسة منذ ذلك الحين والى الآن.
ولم تسمح الأجهزة الأمنية بصدور قرارات اجراء الانتخابات الا بالنسبة للممثلين والموسيقيين والممرضات والمرشدين السياحيين!
ليس ذلك أعجب ما في الأمر. لأن العجيب أيضا ان قانون تفعيل النقابات المهنية صدر في سنة 93 خلال أربعة أيام. ولكن حين طعن فيه بالبطلان فان تقرير مفوضي مجلس الدولة (الذي أيد البطلان) استغرق اعداده تسع سنوات كاملة? علما بأن رأي المفوضين استشاري وليس ملزما.
ما حدث مع النقابات المهنية تكرر مع أندية أعضاء هيئة التدريس بالجامعات? ذلك أنه حتى أواخر ا