الأنظمة الاستبدادية .. العروبة ليست بخير
العالم العربي في أزمة حقيقية? بل وفي أزمات متعددة? في هذه المرحلة من تطوره? إلا أن? خروجه منها هو مسؤوليته وحده: مسؤولية شعوبه وقواه الحية ونخبه السياسية والفكرية والعلمية المتعددة والكثيرة. والطريق يمر حتما?ٍ في تجاوزه للتأخر التاريخي واندراجه في التاريخ العالمي المعاصر? وفي تحرره من الهيمنة الاستعمارية وتحرير أراضيه من الاحتلال الصهيوني.
في الواقع? ليست العروبة اليوم بخير? ولا هي قادرة على أن تكون? بما هي عليه? مسلكا?ٍ مجديا?ٍ للمستقبل? ذلك أن? نماذجها وتطبيقاتها لا يمكن إلا أن تبقيها مشروعا?ٍ إذا هي بقيت من دون مشروطية متجددة تحدد معالمها وإمكاناتها بواقعية? وتقيها شرور الانجراف نحو الماضوية والتحجر.
إن? الخروج عن هذا المسار الانحداري الذي سوف يقود العرب إلى قاع التاريخ? في حال استمراره? لا يكون إلا بعكس اتجاهه. ولكي يحصل ذلك لا بد من استنهاض القوى الحية في المجتمعات العربية? من خلال العمل الجاد على خلق البدائل الوطنية الديموقراطية في السياسة? وفي الثقافة? وفي أنماط الحكم. وأن? خلق هذه البدائل سوف يتطلب خوض معارك حقيقية في جميع الميادين المشار إليها? وهذه مهمة النخب الثقافية والاقتصادية والسياسية الوطنية الديموقراطية فهل تعي ضرورتها ?
لقد اكتشفت الشعوب العربية? بخبراتها وتجاربها? جوانب هامة من تهافت سياسات بلدانها? وخداع قادتها. كما اكتشفت توجهات السياسات الدولية? وبدأت تمتلك وعيا?ٍ كونيا?ٍ يضغط لوضع أية معركة وطنية أو قومية في إطار النضال الإنساني من أجل حياة كريمة للمواطنين? في ظل أنظمة حكم ديمقراطية تحترم كرامات الناس وتوفر حقوقهم الإنسانية المعترف بها في مواثيق الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
إذ لا يجوز الدفاع عن الأمر الواقع الراهن الذي استنفد طاقة المجتمعات العربية وجعل من العالم العربي بؤرة للطغيان والإرهاب والفساد والتفاهة? حسب تعبير الأستاذ ياسين الحاج صالح? ولا يجوز أن ندافع عنه ضد أعدائه إلا في سياق كسر هذا التكامل القدري بين سلطات دول الطغيان وقوى الاستعمار الجديد. باختصار يدور الأمر حول وحدة معركة الحرية: استقلال الوطن وحرية المواطن والإنسان? التحرر من السيطرة الخارجية لا كبديل عن الحرية السياسية والثقافية وحقوق الإنسان بل كأفضل شرط لتحقيقها. فبكل بساطة لا يمكن للشعوب أن تدافع عن سلطات دول تجو?عها وتحاصرها وتساومها حتى على حقها في مناقشة الشؤون العامة.
لسنا بحاجة لشعارات من أجل التعاطي المجدي مع التحديات الكبيرة المطروحة على أمتنا العربية? بل الارتقاء إلى مستوى التحديات? بما يخدم مصالح الأمة ويضمن حقوقها الأساسية في السيادة والحرية والتنمية والاستقلال التام. ولكي تتحول العروبة من مشروع تعاطف قومي? يعب?ر كل طرف فيه عن إرادة توحده ووحدة همومه وانشغالاته مع الآخر? إلى مشروع عملي يؤمل منه أن يتحول إلى واقع متحقق في المستقبل? ليس على الأقطار العربية المختلفة إلا أن تصلح أوضاعها وتنم?ي قدراتها المادية والبشرية? لكي تشكل كل منها أنموذجا?ٍ ي?ْحتذى للآخر.
إن? مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة? وكذلك استيعاب التحولات والتغي?رات التي تطرأ على الساحتين الإقليمية والدولية. مما يستوجب الاعتراف بالخصوصيات القطرية? في إطار التنوع ضمن إطار الرابطة العربية? مع إمكانية تحويل هذا التنوع إلى عنصر غنى للثوابت الضرورية لتطور الرابطة العربية. ومن أجل ذلك? تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي? والأمر يستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني? الديمقراطية? الدولة الحديثة? المواطنة. وتبدو أهمية ذلك إذا أدركنا أن? العالم العربي المعاصر? بشكل عام? لا يملك لغة سياسية حديثة? منظمة وممأسسة? في بناه السياسية والثقافية? إذ بقي خارج تسلسل وتاريخ الأحداث? فالماضي مازال ملقى على هامش الحاضر? بل يهدد المستقبل.
وهكذا? فإن? انخراط العرب في العالم المعاصر يتطلب منهم البحث عن مضمون جديد لحركتهم التحررية? بما يؤهلهم لـ ” التكي?ف الإيجابي ” مع معطيات هذا العالم? وبالتالي الانخراط في مقتضيات التحولات العميقة للعلاقات الدولية? بما يقلل من الخسائر التي عليهم أن يدفعوها نتيجة فواتهم التاريخي? لريثما تتوفر شروط عامة للتحرر في المستقبل. فالعرب ليسوا المبدأ والمركز والغاية والنهاية? هم أمة من جملة أمم وثقافات? لا يمكن أن ينعزلوا عن تأثيرات وتطورات العالم الذي يعيشون فيه. إن? الأمم التي تدور حول نفسها لا يمكن أن تتقدم? خاصة عندما تكون خطابات نخبها الفكرية والسياسية متوازية لا تواصل بينها? في حين أن? التقدم يتطلب تراكم خبرات كل قوى الأمة? التي تعانق تناقضاتها? وتبحث عن حلول ممكنة وواقعية لمشكلاتها.
ومن سياقات ما قدمته? يبدو أنه لا يجوز القفز عن واقع الدولة القطرية تحت أي عنوان? بما فيه الطموح المشروع إلى دولة عربية واحدة. إن? المشكلة الأهم المطروحة أمام الحركة العربية المعاصرة هي بناء الدولة الحديثة? دولة الحق