المؤتمرات القبلية والسياسة في اليمن
شهدت الساحة اليمنية خلال الأسبوع قبل الماضي عودة ظاهرة المؤتمرات القبلية? حيث احتضنت محافظة الجوف اليمنية بتاريخ 7/11/?2010 ما ع?ْرف بمؤتمر قبائل بكيل اليمنية . والتساؤل الملح في هذا السياق? لماذا حضور القبيلة اليمنية عبر مؤتمراتها? رغم مضي ما يقارب النصف قرن من الزمان على قيام الثورة اليمنية الأم في 26/9/1962م? ولماذا استمرار الولاء للقبيلة قبل الدولة في اليمن?
إن الحديث عن المؤتمرات القبلية هو في جوهره حديث عن القبيلة اليمنية وخصوصيتها وعلاقتها بالسياسة .
فإذا كانت القبيلة? وفقا?ٍ للفكر الليبرالي الغربي? بنية تقليدية يتعين تحطيمها وتكسيرها لا تطويرها? لأنها نقيض للتطور والتقدم . ولذا فإن عملية التحديث بجوانبها المتعددة كفيلة بتحطيم هذا الكيان القبلي الراكد وإزالته? لأنه – وفقا?ٍ لهذا الفكر معيق لتطور المجتمع وتقدمه? فإن هذه الرؤية الغربية ليست دقيقة? ولا تتفق مع الحالة اليمنية? بل والعربية أيضا?ٍ .
فالقبيلة اليمنية لا تزال المكون الرئيس للمجتمع اليمني? كما أنها من أكثر العناصر الاجتماعية والسياسية تأثيرا?ٍ وفاعلية? ومن أهم العوامل التفسيرية للواقع الاجتماعي والسياسي اليمني .
كما أن القبيلة اليمنية جزء من الدولة? بل إنها كانت في التاريخ اليمني القديم بمثابة (نواة) لتكوين الدولة? حيث ظهر ما س?ْمي بدولة القبيلة الغالبة . فالقبيلة اليمنية تميزت بحياة الاستقرار? ترتبط بالأرض والزراعة وتسكن القرى . كما أنها سياسية الجذور بحكم تعريفها? فهي تشابه مفهوم الدولة (بنيويا?ٍ)? وتحاكيها سياسيا?ٍ . فالقبيلة اليمنية تشكل تنظيما اجتماعيا وسياسيا?ٍ واقتصاديا وعسكريا واحدا?ٍ . ورغم أن القبيلة ت?ْعد – وفقا?ٍ للفكر الغربي – بنية سابقة على الدولة . إلا أن خصوصية القبيلة اليمنية أنها تحاكي الدولة اليمنية? فثمة شيوخ قبليين هم بمثابة قيادات (أو رؤساء) لقبائلهم? ويفترض أنهم ممثلون لمصالح قبائلهم? ومدافعون عن حقوقها? وهذا لا ينفي استبداد بعض شيوخ القبائل وظلمهم لبعض أفراد قبائلهم والسعي لقهرهم . إضافة إلى وجود مصلحة مشتركة لرجال القبيلة . جميعا?ٍ (شيوخا?ٍ وأفرادا?ٍ) . كما أن القبيلة تمتلك أرضا?ٍ أو تقطن أرضا?ٍ محددة غالبا?ٍ . أما ثقافتها فإنها تتسم بالحربية والقتالية ? إضافة إلى امتلاكها لرجال مسلحين مقاتلين? كما أنها لا تزال تمثل مخزونا?ٍ بشريا?ٍ لكثير من الحكام اليمنيين المتعاقبين . كما يلاحظ أن القبائل اليمنية تتحالف وتتصارع وتمارس السياسة أيضا?ٍ .
رغم أن القبيلة اليمنية إحدى المؤسسات التقليدية? إلا أنها بقيمها التقليدية لا تزال م?ْعاشة وتتسم بالاستمرار والتأثير والفاعلية . حيث إن قيم المجتمع القبلي لم تذب وتتحطم رغم انتشار بعض مظاهر التطور الاجتماعي كازدياد المدن والتحضر وارتفاع نسبة التعليم? ووسائل الاتصال الحديثة .
لقد أبدت القبيلة اليمنية تكيفا?ٍ م?ْبهرا?ٍ تجاه الأحداث والمؤسسات الحديثة? كالأحزاب وبقية مؤسسات المجتمع المدني . بل إنها (القبائل) قد نجحت في تحوير بعض هذه المؤسسات الحديثة لصالحها . ولذا يلاحظ أن المجتمع اليمني يمر الآن بمرحلة خلل اجتماعي وثقافي لا تحديث اجتماعي وسياسي .
لقد شكلت المؤتمرات القبلية ظاهرة في الحياة الاجتماعية والسياسية اليمنية? حيث شهدت اليمن كثيرا?ٍ من هذه المؤتمرات القبلية? وخاصة عقب قيام دولة الوحدة اليمنية عام 1990م? حيث عقدت القبائل اليمنية مؤتمرات عدة? بدءا?ٍ بما ع?ْرف ب “مؤتمر التضامن للقبائل اليمنية” في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 1990م و”مؤتمر التلاحم الوطني” الذي عقد بتاريخ 19/12/1991م . مرورا?ٍ ب”مؤتمر سبأ للقبائل اليمنية” الذي ع?ْقد في منتصف عام 1992م . وما ع?ْرف ب”المجلس الموحد لقبائل بكيل اليمنية” بتاريخ 20/10/1993م . وكذا “مؤتمر مناصب وقبائل حضرموت” في مايو 1998م . وانتهاء “بمؤتمر بكيل” الذي ع?ْقد مؤخرا?ٍ بمنطقة “الجحلا” بمحافظة الجوف اليمنية في 7/11/2010م
إن من أسباب حضور القبائل اليمنية عبر مؤتمراتها واستمرار الولاء للقبيلة قبل الدولة? (رغم أننا نعيش أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة)? يعود إلى إشكالية العلاقة بين المجتمع والدولة? فثمة اختزال لمفهوم الدولة في شخص الحاكم الفرد وقلة من أتباعه وبطانته من دون بقية القوى الاجتماعية والسياسية . إضافة إلى فشل الأحزاب اليمنية في أن تشكل بديلا?ٍ وظيفيا?ٍ حديثا?ٍ وفاعلا?ٍ? حيث يلاحظ نجاح القبيلة في غرس قيمها وأعرافها? والحفاظ عليها (رغم ما اعتراها مؤخرا?ٍ من تغير)? في مقابل فشل السلطات الحاكمة وإخفاقها في إيجاد قيم اجتماعية وسياسية حديثة . كما يلاحظ رسوخ شرعية غالبية القيادات القبلية المستندة إلى الأعراف والقيم القبلية وتجددها? في مقابل تآكل شرعية النخبة الحاكمة .
فعجز الدولة وإخفاق سلطتها السياسية عن القيام بوظائفها تجاه أبناء المجتمع? مقارنة بنجاح القبيلة في تلبية كثير من المطالب والحاجات المادية والمعنوية لأفرادها قد عزز الوجود الاجتماعي والسي