لا تنهزم..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه عند عودته من إحدى المعارك ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر) قاصدا?ٍ بذلك جهاد النفس.
وقبل ذلك نجد القرآن يوضح في أكثر من موضع مآل أقوام وأشخاص هزمتهم نفوسهم وأوردتهم موارد الخسران والهلاك والفشل.
ومن مثل هذه الآيات والأحاديث نفهم – غالبا?ٍ – أن مجاهدة النفس والتغلب عليها يكون في أمور الدين ? ليستمر سعي العبد حتى يفوز بالجنان وينجو من العذاب في الآخرة ? ولاشك أن هذا م?ْشار?َ إليه بوضوح ومقصود بالتأكيد? وهو المهم لأن الفوز في الآخرة هو الفوز الأعظم والأبدي ? ولكن هذا لا يمنع أن نفهم أيضا?ٍ معنى مجاهدة النفس والتغلب عليها لتحقيق الفوز والنجاح في أمور الدنيا. إذ أن بداية النجاح نجاحك أمام نفسك أم?ا إذا أنهزمت أمام نفسك .. قل لي كيف ستنجح أمام سواها?
وفي هذا الموضوع لازلت أذكر يا أولادي قصة طريفة حدثت في قرية يمنية قبل سنوات طويلة.
حيث أراد أحد الأثرياء أن يتزوج ابنة رجل من تلك القرية وأقام في تلك القرية الفقيرة وليمة ضخمة جلب فيها من الطعام والشراب ما لم يعهده الأهالي من قبل . فمثلا?ٍ شرب الناس ذلك اليوم ” الفيمتو “لأول مرة.
ومن بعد الظهر كانت جلسة القات في ديوان شيخ القرية القوى “الحاج ناصر”.
ولما أقترب وقت المغرب ــ وكعادة القرى اليمنية أنذاك – جمع الأطفال والنساء أمام بيت الشيخ كثيرا?ٍ من الأواني ممتلئة بالماء لوضوء صلاة المغرب . وكل من يخرج من الديوان يأخذ إبريقا?ٍ أو جمنة أو دلة أو قربة أو…. ويتوارى خلف صخرة أو شجرة للاستنجاء ثم يعود للوضوء أمام المسجد . وهذا ما أراد فعله الشيخ/ ناصر حيث أخذ إبريقا?ٍ وتوارى للاستنجاء ولما كاد يتم الاستنجاء رأى دماء?ٍ غزيرة تخرج منه تبلل الأجزاء السفلى من جسده وثيابه فأيقن أن داهية?ٍ أصابته ومكروها?ٍ حل??ِ به وأنه شارف على الموت . فصاح صيحة أجابها كل رجال القرية ولما وصلوا رأوا شيخهم مضرجا?ٍ بالدم لا يقوى على الحركة ولا يستطيع الكلام فحاولوا إيقافه على قدميه ولم يستطع فأتوا بالنعش من المسجد وحملوه شبه ميت ? والجميع مندهش مما أصابه .
كان خلف المشيعين طفل صغير يحمل في يده الإبريق الذي استنجى منه الشيخ ? وبحركة طفولية كان الطفل يمشي خطوة ويسكب قليلا?ٍ من الإبريق ثم يمشي خطوة ويسكب قليلا?ٍ وهكذا . فلاحظ الطفل أن الذي يخرج من الإبريق ليس ماء?ٍ إنه سائل أحمر يشبه الدم إنه “الفيمتو” ههههههههههه
فصاح بالناس يخبرهم وتوقف الجميع وأنزلوا النعش عن الأكتاف. ولما تأكد الخبر قام الشيخ ناصر من النعش مثل الحصان صحيحا?ٍ فصيحا?ٍ وحمل النعش على ظهره ليعيده إلى المسجد.
أولادي الأعزاء : هذه نفوسنا قد تنهزم وتهزمنا بوهم وقد تنهزم بشئ تافه وحقير وقد تنهزم أمام تحد?ُ عادي لكن العظماء والناجحون يدركون دائما?ٍ أن الله سبحانه وتعالى قد أودع في الإنسان قدرات ومواهب وطاقات وإمكانات تجعله قادرا?ٍ على تجاوز أصعب التحديات والعقبات والعراقيل وتخطي أسوأ الظروف ليس بمقدور حدث?ُ أو كائن أن يقف بينه وبين النجاح.. فكونوا عظماء يا أولادي ولا تنهزموا.
وإن بقى لي عمر سأواصل معكم ذكريات فاشل وإن أتى الموت فمرحبا?ٍ فقد أهملني عمرا?ٍ ما بقى منه لا يصلح ما مضى إلا أن يتغمدني الله بواسع رحمته