لا سكينة في السكن
إنه الشيطان لعنة الله عليه? كلما طرد الشاب الفكرة المستميتة في البقاء? أرجعها إلية.. كلما تنصل و تبرأ من الإيمان بها سكبها الملعون في كيانه ثانية.. كلما حاول الشاب نسيانها أنعشها الشيطان ونشطها.
إنه الشيطان قاتله الله.. إنه الشيطان لعنة الله عليه? كلما قرر الشاب ألا يتدخل أقحمه الشيطان فيها وأضاعه في تلابيبها.. كلما قرر أن يرتاح? يطرح الحمولة أرضا ليتنهد ويبتسم? جاء الشيطان بمعوله ونبش قبور الذكريات وأيقظها في ذاكرته فيقف الشاب أمامها ضعيفا? كسيرا? عاشقا وباكيا بلا سلاح..!
إنه الشيطان? كلما لمحه عازما على التحليق بعيدا عن الفكرة المتفجرة أقترب وكسر منه الجناح. لا يتركه يعيش بهدوء.. كلما نوى الشاب أن لا يتدخل في غير نفسه? كلما قرر أن الوطن هو السكن وأن لا سكينه في السكن وإن هذا أمر لا يخصه قفز الشيطان اللعين وقال: “كيف تنسى إن لا سكينة في السكن? أينسي المرء أمن الوطن?”.. يحوم الشيطان حوله محرضا? وهامسا? موسوسا “اليمن? اليمن? اليمن أرضك? عروقك? تاريخك? أهلك, أجدادك وأولادك.. كيف لا تتمسك بحبل حبها وإن جرعتك كؤوس المحن”!?
فإذا أمسك الشاب بالقلم ليكتب عن الغرام والغزل? أو عن الناس والكهرباء والغلاء.. أو ليكتب عن أي شئ على ألا يكون ابدآ على صلة بالوطن قفز الشيطان وأبتسم? صاح في إذنه: “كيف تنسي أن لا سكينة في السكن?”
أف… يتذمر الشاب ويلوح بكلتا يديه مبعدا الصوت والخيال.. الشيطان لعنة الله عليه يجره جرا?ٍ إلى شؤم المصير.. ما شأنك أنت يا رجيم? تذكره بما تشاء, إتركه يحيا.. إتركه يكتب عن العيون الجميلة ولون السماء. حدق الشيطان الرجيم في الشاب وهتف: “متى إذن تكتب عن اليمن? متى تكتب أن لا سكينه في السكن?”
وقف الشاب مقاوما?ٍ وصاح: “لعنة الله عليك? لسوف أخزيك”.. جلس الشاب يكتب:
(يعاني العالم اليوم من أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة في كل بلدان العالم? وفي انهيار كثير من البنوك والشركات…)
يمتد الشيطان فوق السطور ويستلقي أمام القلم ويقول: “قد يكون هذا أحد أسباب أن لا سكينة في السكن”! يهش الشاب الشيطان كمن يهش ذبابه? فيقفز الملعون فوق كتفه ويهمس: “لا تسكت على وضعك المهين وإلا? كنت مثلما أنا شيطان رجيم.. الفارق إنني أتكلم وأنت أخرس.. لا تستسلم لا? ولا تقبل.. من أجل غدك وغد أولادك حارب ولو بالكلمة لكنك لا تكن بطلا?ٍ إلا إذا حملت بندقية وهاجمت بدبابة”..! عاد الشاب يتمتم: لعن الله الشيطان? أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وضع القلم فوق الورق. يفر إلى الشارع? فيسارع الشيطان خلفه يوسوس في إذنه: “كأنك الأن تركت السكن وكأنك خرجت الى الشارع.. كلاهما لا سكينه فيهما? تشابها.? لا تنسي أن لا سكينه في السكن.. قل! اصرخ! أو أكتب على أوهن الأحوال.. اكتب وناقش لماذا لا يوجد سكينة في السكن..? ما هو السبب?”
وجد الشاب نفسه قد أستسلم وغلب ولأول مرة يجاوب الشيطان كمن يجاوب في إمتحان? فأجاب مغمض العينين: “لأن اللصوص أكلوا من الوطن العمود الفقري والشفاه والوجنتين.. اعتبروا الوطن في الغزوات غنيمة.. لم يتركوا فيه حتى الطمأنينة.. لم يتركوا للناس إلا النوم والقيام”.
هنا وقف الشيطان وجها لوجه وهتف: “ممن تهرب حين تخرج الي الشارع? علي من تكذب و كلنا يعرف? متى يا منسي تذكر نفسك. متى? أعندما يذكرك الله يا بهيمة?” أحنى الشاب رأسه… شعبي يأكل العلف وكذلك أنا… شعبي يحيا علي السلف والمنح وكذلك أنا? شعبي مسكين وأكثرهم مسكنه أنا.. شعبي لا ثقافة تنير طريقه? شعبي يردد شائعات? ويحيا علي الشعوذة والتعويذه.. شعبي دفعوه أولوا الأمر كمن يدفع النقد لكي يستلموا الغنيمة.. و لقنوه وهو شيخ حافظ? أن يردد “نحن في أيدي أمينه”! يا شعبي متى يدفعك الألم إلى أن تتكلم? ما أنت أبكم.. تكلم.. فلست عبدا مملوكا ولا أنت حتى سارق منعم.
تسارعت خطوات الشاب صارخا في الشيطان? “لعنة الله عليك? ابتعد عنى! اتركنى وشأنى! اذهب الى أصحابك السرق وزدهم إثما. أما أنا فارحل عني ولا تدفعني الى الهلاك.. لا أريد فوق الحمال فوق ظهري لا قيود حول معصمي و لا أغلال.
اسكت يا شيطان يا رجيم.. أجريت دموعي? ليس بيدي شيء فاتركني أبحر وأفرد قلوعي.. مسموح لك يا شعبي أن تغني وتتنفس وتنجب? لكن إياك والتذمر!! فالتذمر نباح والكلاب تقتل.. احلم لا بأس في الحلم? احلم فقليلا منه لا يضر? ملعقة صغيرة منه ذوبها في كوب ماء فاتر واشرب على الريق? قد تخدرك قليلا.. قد يغفو قليلا.. قد يهدأ الحريق.. على أن يكون اللون ممسوح من الحلم والنكهة تتبخر? والرائحة تغسل..
هكذا يسمح للحلم في أوطاننا ان يحيا.. هكذا أرجل الكراسي لا تتخلخل! لا تبكي? لا تتحسر على ولدك لأن المستقبل يوأد.. لا تقل بأن لا سكينه في السكن.. اسكن وامشي محاذيا?ٍ للجدار لتسلم..!!!