العراق… المشكلة الحقيقية
لم تكن مشكلة العراق منذ احتلاله عام 2003 تكمن في تشكيل حكومة أو عدم تشكيلها? ذلك ان السنوات السبع وني?ف التي مضت على الاحتلال الأمريكي? على “العملية السياسية” التي اطلقها? والحكومات المتعاقبة التي شكل?ها? لم تستطع ان تلجم التردي الامني ? ولا ان تعالج الانهيار الخدماتي? ولا ان توقف الفساد المستشري الذي وضع العراق في مقدمة الدول الغارقة في الفساد حسب اللوائح المعتمدة دوليا?ٍ.
وعجز الطبقة السياسية المتنفذة في العراق منذ ثمانية أشهر عن تشكيل “حكومة” جديدة? لم ي?ْشعر العراقيين بأي فارق في ان يكون لديهم حكومة أو لا يكون? أو في ان تمارس حكومة منتهية ولايتها كل صلاحيات الحكومات العادية أو لا تمارسها? فالهوة واسعة بين هموم الناس المتعاظمة واهتمامات السياسيين المتراكمة? في وقت اكتشف فيه العراقيون ان الذهاب إلى صناديق الاقتراع لا يعني بالضرورة قيام مجلس نواب ما زال محروما?ٍ حتى الساعة من الالتئام بسبب الازمة السياسية المتفاقمة بين افرقاء جمعتهم العملية السياسية على مدى سنوات ما بعد الاحتلال? وها هي التشكيلة الحكومية تفرقهم.
فالمشكلة في العراق اذن ? منذ سبع سنوات? كانت وما تزال في الاحتلال اولا?ٍ? الذي وان انسحبت معظم قواته فإن ما هو باق?ُ من قوات وشركات أمنية (قيل ان مرتكبي جريمة كنيسة النجاة المر?وعة في حي الكرادة في بغداد كانون يرتدون ثياب عناصرها) كاف?ُ لإبقاء المشروع الأمريكي? الممهور بالبصمات الصهيونية? حيا?ٍ في تفاصيل الحياة العراقية وفي العلاقات القائمة بين العراقيين أنفسهم? وبينهم وبين اشقائهم وجيرانهم.
ولعل ابرز عناوين هذا المشروع هو تفكيك اواصر المجتمع العراقي? (بعد تدمير دولته وحل جيشه وسلب موارده والاجهاز على بناه التحتية ونهب جامعاته ومتاحفه)? وادارة احتراب أهلي دائم بين مكونات هذا المجتمع لا لإخراج هذا البلد العربي الهام من معادلة القوى في المنطقة فحسب? بل لاشعال المنطقة بأسرها من خلال لهيب الفتنة العراقية.
ولعل في الاحداث الدموية المر?وعة التي شهدها العراق? وما زال? منذ الاحتلال حتى اليوم ? (وآخرها جريمة الاعتداء على مصلين في كنيسة النجاة في حي الكرادة في بغداد) ما يشير إلى المخطط ما زال مستمرا?ٍ? وببصمات صهيونية واضحة ومماثلة لما نراه في فلسطين? رغم انسحاب اعداد كبيرة من القوات الأمريكية المحتلة.
وإذا كان الاحتلال لا يخرج بقواته وادواته ومشاريعه الا بفعل المقاومة? التي استطاعت في العراق ان تسهم بفعالية في إرباك المشروع الامبراطوري الاستعماري الاكبر في تاريخنا المعاصر? فان مستقبل هذه المقاومة مرهون بقدرة العراقيين جميعا?ٍ (واشدد على كلمة جميعا?ٍ) على انجاز مصالحة وطنية شاملة (واشدد أيضا?ٍ على كلمة شاملة) يتجاوز من خلالها العراقيون كل ثاراتهم وحساسياتهم القديمة والجديدة? وت?ْجري عبرها قواهم السياسية مراجعة جريئة وعميقة لتجاربها بايجابياتها وسلبياتها? وتؤسس من خلالها لمشاركة حقيقية في الحكم تعكس حقيقة الخيارات الشعبية للعراقيين دون التفاف عليها أو تحايل.
وتشكل الوثائق السرية للبنتاغون التي كشفها موقع ويكليكس حول جرائم الحرب? والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها قوات الاحتلال وادواتها في العراق مادة كافية لاطلاق ملاحقة قضائية وسياسية واخلاقية واسعة ضد فاعيلها الصغار والكبار? العسكريين والسياسيين ( وهذا ما سيدرس آلياته اجتماع قانوني عالمي ينعقد في بيروت بعد ايام برئاسة وزير العدل الأمريكي السابق رامزي كلارك ومعه منسقا الحملة العالمية القانونية لملاحقة جرائم الحرب في العراق خالد السفياني واشرف البيومي)? تماما?ٍ كما تشير احكام الاعدام التي صدرت مؤخرا?ٍ بحق نائب رئيس وزراء عراق ما قبل الاحتلال طارق عزيز ورفاقه سعدون شاكر? وعبد الحميد محمود? وخضر مزربان هادي? وسمير عبد العزيز النجم? وسبعاوي ووطبان ابراهيم (وهما اخوان غير شقيقين للرئيس صدام حسين) إلى إمعان في سياسات وممارسات واحقاد أدخلت العراق في نفق دموي بغيض ما زال غارقا?ٍ فيه حتى اليوم.
لقد استنكر الفاتيكان (وربما هذا الاستنكار ما يفسر الهجوم على كنيسة في بغداد قبل ايام ومصرع كاهنين فيها) ومعه الاتحاد الاوروبي وروسيا احكام الاعدام هذه? فيما أعلن وزير خارجية ايطاليا عن استعداده للذهاب إلى بغداد للحيلولة دون اعدام عزيز ورفاقه? ولكننا لم نشهد بالمقابل أي تحرك عربي أو اسلامي لوقف هذا التمادي في الثأر والانتقام الدموي لا دفاعا?ٍ عن المهددين “بالشنق” حتى الموت فحسب? بل بشكل خاص دفاعا?ٍ عن مناخ الوفاق والمصالحة والسلم الاهلي في العراق? وهو المناخ الذي تحاصره دورة العنف الدموي المتفشية في بلاد الرافدين.
لقد وقعت جامعة الدول العربية في خطيئة كبرى حين تنك?رت لميثاقها ومعاهدات الدفاع العربي المشترك? وكر?ست أمر الواقع الذي أوجده الاحتلال وأسبغت عليه شرعية عربية استخدمتها منظمات اقليمية ودولية لتبرير تعاملها مع هذا “الأمر الواقع”.
أما مجلس الامن الذي وافق على “الحي