أين تدور رحى المعركة في العراق?
الرئيس أوباما وفى بوعده الانتخابي عندما أخرج معظم قواته من العراق في نهاية شهر أغسطس (آب)? حيث انخفض عدد القوات الأميركية إلى خمسين ألف جندي.
كما أنه يقول ويؤكد بأنه سيفي بوعده الآخر بسحب قواته العسكرية نهائيا من العراق بنهاية عام 2011. ويبقى سؤال كبير أمام العراقيين والعرب وأمام العالم أجمع وهو: لماذا جاءت أميركا إلى العراق ودمرت البلد? وما هو الهدف الذي دفعت أميركا هذا الثمن الباهظ من أجله? حياة أكثر من أربعة آلاف من الأميركيين ومئات الآلاف من العراقيين? هل كان الهدف وضع العراق في صينية فضية وإهداءها لإيران?!
يمكن لبسطاء الناس أن يردوا على هذا السؤال بأن إدارة بوش وحزبه مسؤولان عن هذه الحرب وما جرى في العراق? ولا يمكن أن نلقي المسؤولية على عاتق إدارة أوباما. لكن لا شك أنه إذا طرح هذا السؤال على أصحاب القرار الأميركي سيردون عليه بأن الهدف بالنسبة لهم كان إنهاء الاستبداد والدكتاتورية المطلقة وإحلال الديمقراطية محلها. وهنا يأتي السؤال الثاني: هل تحقق أقل ما يمكن تسميته بالديمقراطية?
لا نقاش أن أول مختبر الديمقراطية هو إجراء الانتخابات الحرة النزيهة? ونحن الآن أمام نتيجة انتخابات تشريعية أجريت قبل أكثر من ثمانية أشهر في العراق. فمن الأفضل أن نركز على نتائج هذه الانتخابات.
قبل أن نستعرض نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق تجدر الإشارة إلى أن سقوط النظام السابق في العراق أخل بالموازنة الاستراتيجية الإقليمية في منطقة الخليج التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية بين العراق وإيران. ولما خرج العراق من هذه المعادلة? تحولت إيران الملالي إلى مارد خرج من قمقم الموازنة المذكورة? فبدأت بمد أذرعها إلى مختلف مناحي الحياة والمناطق العراقية? كما أنها زادت من تدخلاتها في الدول الأخرى في المنطقة. وفي الوقت الذي أخذ الأميركيون فيه العزم على الرحيل وأعلنوا موعده بشكل دقيق ومحسوب? كان النظام الإيراني على أتم الاستعداد لملء هذا الفراغ الكبير? وهذا ما عبر عنه أحمدي نجاد سابقا.
وفي خضم هذا العراك? برز عامل جديد في الساحة? وبدأ يلعب دورا جادا وحاسما في المعادلة العراقية – العراقية. ألا وهو ظهور كائن سياسي جديد في العراق يمثل طموحات العراقيين وانتماءهم الوطني بمعزل عن الصراعات الطائفية والدينية. وهذا الكائن هو ائتلاف العراقية. وشاءت الأقدار أن هذا الائتلاف دخل الساحة السياسية في سباق مع الزمن. أي في وقت أعلن فيه الأميركيون قصدهم للرحيل? جاء ائتلاف العراقية ليقول إن العراق باق وإن الشعب العراقي حي وله كيان يمثله ويدافع عنه.
لكن الآن? وخلال أكثر من ثمانية أشهر مضت على الانتخابات العراقية? فإن القوى الموالية لإيران لم تسمح بتشكيل الحكومة وفقا للدستور العراقي? وتبذل جهدها لحرمان كتلة العراقية من استحقاقها الدستوري في تشكيل الحكومة. ومن الغريب أن جميع الكتل تقريبا كانت متفقة على عدم القبول بتجديد ولاية المالكي? لكن بفعل ضغوط الحكومة الإيرانية أيدت جماعة مقتدى الصدر تمديد ولاية المالكي? مع أن هذه الجماعة كانت من أول التيارات الرافضة للمالكي وسياسته وممارساته.
نضع هذه المعركة جانبا ونذهب إلى ساحة أخرى من العراق وهي ساحة ”أشرف”? أي المخيم الذي يسكنه أعضاء جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة. وبعد أن سلم الأميركيون في بداية العام الماضي (2009) الملف الأمني لـ”أشرف” إلى العراقيين? وكان المخيم منذ ذلك الوقت خاضعا لضغوط وحصار من قبل القوات العراقية المؤتمرة بأمر رئاسة الوزراء? وبالوكالة لنظام إيران. وبعد فشل القوات العراقية والنظام الإيراني من القضاء على ”أشرف”? بدأ النظام الإيراني حملة حرب نفسية شعواء منذ تسعة أشهر على سكان المخيم. إن النظام الإيراني ومن خلال سفارته في بغداد وبالتعاون مع رئاسة الوزراء العراقية ومكتب نوري المالكي? جاء بعشرات الناس من عملاء مخابرات النظام الإيراني? تحت ستار عوائل سكان ”أشرف”? إلى بوابة المعسكر ليطلقوا ليل نهار صيحات? من خلال أكثر من أربعين من مكبرات صوت قوية نصبوها على بوابة المعسكر وجدرانه? وليطلقوا التهديدات بالقتل والشنق والإعدام بحق المجاهدين سكان المخيم? وليطلقوا شعارات ترحيب وتبجيل لأحمدي نجاد وخامنئي والخميني و…
فالنظام الإيراني من جهة لا يسمح بتشكيل حكومة وطنية عراقية? ومن جهة أخرى يصب جام غضبه على مجاهدي خلق سكان مخيم أشرف. وليس من الصدف أن يلتقي ائتلاف العراقية ومجاهدي خلق في المساعي من أجل تخليص الشعب العراقي من تدخلات النظام الإيراني. وبمعنى آخر المعارضة الديمقراطية الإيرانية تصطف بجانب القوى الوطنية العراقية في السعي إلى تخليص الشعبين الإيراني والعراقي من نظام القمع والكبت في إيران ومن تصدير الإرهاب والقتل والطائفية في العراق.
نعم الأميركيون ارتكبوا خطأ استراتيجيا كبيرا عندما أخلوا بالموازنة الاستراتيجية في منطقة الخليج لصالح النظام الإيراني? والآن غير مستعدين لتحمل آثار هذا الخطأ القاتل? ووصل الأمر