وثائق “ويكيليكس”: المتعهدون الامنيون في العراق كانوا سببا في الفوضى
تجاوزت الطلقات الأولى ضباط شرطة عراقيين داخل إحدى نقاط التفتيش. ورحلوا في ثلاث من سيارات الشرطة? وكانت الأضواء ساطعة. كان ذلك في وقت مبكر من الحرب داخل العراق ? وتحديدا في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2004. وتبين أن هذه الطلقات لم تأت من جانب المتمردين أو مجرمين. ولكن أطلقتها شركة أمنية أميركية خاصة اسمها “كوستر باتلز”? وذلك حسب ما أفاد به تقرير ضمن أرشيف يضم نحو 400 ألف من الوثائق العسكرية السرية التي كشف النقاب عنها موقع “ويكيليكس”. ومضت قافلة الشركة سريعا جنوبا في أم قصر? وهي مدينة تقع بالقرب من الخليج العربي? وقامت بإطلاق النار على إطار سيارة مدنية اقتربت منها. وأطلقت خمسة أعيرة نارية على حافلة صغيرة مزدحمة بالركاب. وتوقف إطلاق النيران بعد أن وصلت الشرطة العراقية وأمن الميناء ووحدة عسكرية بريطانية إلى القافلة.
وبصورة ما? لم يتأذ أحد خلال ذلك? ووجد المتعهدون وسيلة سريعة لمنع حدوث تصرف فوضوي? فقاموا بإعطاء أموال إلى المدنيين العراقيين? ثم رحلوا عن المكان. تتحدث الوثائق في تفصيل مثير عن تحول مهم في أسلوب الولايات المتحدة خلال الحروب? الأيام الأولى من الحرب داخل العراق? والفوضى التي انتشرت خلالها? وعصر المتعهدين من القطاع الخاص الذين لا يرتدون زيا موحدا? ومع ذلك يقاتلون ويموتون في ساحة القتال? وعملية تجميع ونشر المعلومات الاستخباراتية? وقتل أشخاص ظنا أنهم المتمردون.
لقد وقع الكثير من التجاوزات? ومن بينها حوادث قتل بين صفوف المدنيين? لدرجة أن الحكومة الأفغانية تعمل من أجل حظر عمل الكثير من المتعهدين من الخارج بصورة كاملة.
ومن المتوقع أن يزداد استخدام المتعهدين الأمنيين في الوقت الذي يتقلص فيه عدد القوات الأميركية. ويقدر تقرير صدر من لجنة التعهيد خلال فترة الحرب? وهي لجنة أنشأها الكونغرس? في يوليو (تموز) أن وزارة الخارجية ستحتاج إلى مضاعفة عدد المتعهدين الذين لديها من أجل توفير الحماية للسفارة الأميركية والقنصليات داخل العراق. وكان المتعهدون ضروريين في بداية الحرب داخل العراق? لأنه ببساطة لم يكن هناك عدد كاف من الجنود للقيام بهذه المهمة. وفي 2004? أصبح وجودهم رمزا على دخول العراق إلى مرحلة من الفوضى? عندما قتل أربعة متعهدين داخل الفلوجة وتركت أجسامهم مشوهة ومتفحمة.
وحتى في الوقت الحالي? ومع التشكيك في الكثير من المتعهدين بسبب حوادث إطلاق نيران غير مبررة وغياب المحاسبة? كما وصفت الوثائق? لا يمكن للجيش أن يستغني عنهم. وبصورة عامة يوجد عدد من المتعهدين أكبر من العدد الفعلي للجيش? الذين يخدمون في الحرب الدائرة داخل أفغانستان? التي تزداد سوءا يوما بعد آخر.
ويظهر أرشيف الوثائق? الذي يصف الكثير من الأحداث? لم يتم الكشف عنها بهذا التفصيل من قبل? أوجه القصور في هذا النظام الجديد? مثل فشل التنسيق بين المتعهدين وقوات التحالف والقوات العراقية? بالإضافة إلى العجز عن تطبيق قواعد الاشتباك التي تلزم الجيش وتعرض المدنيين والمتعهدين أنفسهم إلى مخاطر. وكان الجيش يبدي عداء واضحا إزاء المتعهدين بسبب قلة الخبرة والرواتب المرتفعة والتسرع في إطلاق النار.
وفي الأغلب? يطلق المتعهدون النار من دون تمييز على مدنيين عراقيين غير مسلحين أو قوات من الأمن العراقي أو جنود أميركيين أو حتى متعهدين آخرين? مما أثار حالة من الغضب بين المواطنين وقوض أشياء كثيرة أرسلت قوات التحالف من أجل إنجازها.
وسرعان ما انتشرت حالة الفوضى داخل العراق? وكان أبرزها حادث في آذار (مارس) 2005 عندما نشبت معركة صغيرة شملت ثلاث شركات أمنية منفصلة.
وداخل نقطة تفتيش خطيرة على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مطار بغداد? دخلت شاحنة أسمنت في حارة مخصصة للسيارات التابعة لوزارة الدفاع? وقام حارس من شركة “غلوبال” البريطانية بإطلاق رصاص تحذيري? وعندما فتح الباب رجل كان يظن في بادئ الأمر أنه عراقي وحاول الهرب? أطلق حراس من برج النيران. وسقط الرجل على الأرض? وبعد ذلك قام أفراد شركة عراقية أمنية خاصة في الجوار بإطلاق النيران? وأصابوا عاملا من “دينكورب إنترناشيونال”? وهي شركة أمنية أميركية. وعندما حقق مع سائق الشاحنة في نهاية ذلك كله? تبين أنه من الفلبين ويدعى خوسيه ويعمل مع شركة “كيه بي آر”? وهي شركة أميركية في الخدمات الأمنية واللوجيستية. وكانت الخلاصة من هذه الفوضى: “يعتقد أن السائق دخل مصادفة إلى حارة وزارة الدفاع”. وعلى الرغم من تظاهر المتعهدين بالشجاعة? ورغم كل النقاشات حول أهميتهم? يتضح من الوثائق أن المتعهدين بدوا بصورة واضحة عاجزين عن حماية أنفسهم أو حماية مواطنين يحصلون على أموال? مقابل حمايتهم من القتل.
وفي الواقع? فإن الوثائق تؤكد على ملحوظة مشتركة خلال هذه الأعوام داخل العراق: بعيدا عن توفير تأمين ضد الموت المفاجئ? وكانت الشاحنات والسيارات الرياضية التي يسهل التعرف عليها وتقودها شركات أمنية عنصر جذب للمتمردين والميليشيات والعراقيين الساخطين وأي شخص آخر يبحث عن هدف.
وتتناول معظم الوثائق