الإعـلام والحـرب: الحرية في مواجهة السيطرة والتضليل
تندلع في أكثر من قطر عربي اليوم شرارة الحروب أو النزاعات المسلحة مثلما يحدث في لبنان والسودان بالأمس وفي العراق والصومال منذ أمد? كما لم يسلم اليمن في صعده من هذه النزاعات المسلحة والمنتشرة على امتداد المعمورة? مما يفرض على الإعلاميين ووسائل الإعلام اليمنية خاصة مسؤولية التعامل البن?اء مع هذه الأحداث وتقديم خدمة إخبارية غاية في الإيجابية والمهنية.
ولعل الحيادية والموضوعية – خصوصا?ٍ عند عرض الصراع العربي الإسرائيلي – هما الكلمتان اللتان طرقتا بإلحاح مسامع السيد حسام السكري رئيس القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) خلال لقاء جمعه قبل أيام بالإعلاميين اليمنيين في صنعاء? لذا يهتم مقالنا هذا – الذي نشر قبل فترة في مجلة اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس- بتبيان مدى توفر شرطي الحياد والموضوعية أو الإدعاء بوجودهما في التغطية الإعلامية خلال الأزمات وعند اندلاع الحروب? وتحليل ذلك من منظور يضع حرية الإعلام في مواجهة السيطرة والتضليل اللذين يمارسا اليوم بطرق شتى ومبتكرة.
فلقد ارتبطت وسائل الإعلام منذ بدء نشوئها بمبادئ أساسية تعارفت المجتمعات الغربية الحديثة والمعاصرة على ضرورة الالتزام بها وأبرزها حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الإنسان. وهي المبادئ نفسها التي لا يزال الإعلام العربي إلى اليوم مهموما بقضايا مبدئية ذات صلة بها.
وعموما تكرس الارتباط الش?ِرطي بين الإعلام والحرية في كثير من المواثيق الإقليمية والدولية وعبر المؤسسات الدستورية للنظم السياسية الحديثة حتى إن التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة الأمريكية? على سبيل الذكر لا الحصر? قد جاء ليحظر على مجلس النواب ” سن أي قانون ينتقص حرية الصحافة”.
1. نزعة السيطرة على الإعلام
وينبغي ألا يقودنا ما سبق ذكره إلى الاعتقاد آليا بعدم وجود سيطرة حكومية على وسائل الإعلام في الولايات المتحدة رغم تمتع وسائل الإعلام فيها بقدر وافر من الحرية? فتوفر الحرية المطلقة في الديموقراطيات الغربية لوسائل الإعلام هو إدعاء لا أساس له? إذ الحرية في أصلها? فلسفيا ودينيا? إنما هي مشروطة أو مقيدة? وأن ما سمي في بعض الأدبيات اللينة أو في المخيال الاجتماعي عامة” بالحرية المطلقة أو التامة” غير مؤسس نظريا و( لامؤصل ) من الناحية المعرفية1.
إن السيطرة الإعلامية تظل? بصفة عامة? دأب الحكومات وديدنها لترويج اختياراتها وسياساتها وأعمالها? وخلق الانطباعات المقبولة لدى مواطنيها? كما أننا نجد أنفسنا أمام محاولة ملحة لخفض تدفق المعلومات بحرية بدعوى المحافظة على الصالح العام وحماية المؤسسات والمشاريع الخاصة وتسييج الأمن القومي المزعوم. فمن غير المدهش إذن أن يصبح حجب المعلومات في الولايات المتحدة –حسب شيللر- أكبر أداة للسيطرة والتحكم داخل الحكومة نفسها ممثلا في أوضح صورة في السلطة التنفيذية ذاتها2.
وهكذا تتعرض حرية التعبير? التي تقودها المجتمعات الديموقراطية عالميا? لأشرس أنواع الهجوم عندما تتعارض مع حق الحكومات الديموقراطية وواجبها لحماية الأمن القومي للدولة? وهذا يحدث متزامنا مع المعاناة المزمنة لحرية وسائل الإعلام جراء أخطار تقليدية عديدة متمثلة أساسا في رأس المال والإعلان والضغوطات المختلفة. ولا يلطف من قتامة هذا المشهد سوى الإشارة إلى ما لكثير من الديموقراطيات الغربية خاصة بريطانيا والولايات المتحدة من تقاليد ثقافية عميقة الجذور تميل لصالح الحريات السياسية.
2. إعلام الأزمات والسطو على الحرية
وفي فترات الأزمات الطارئة كالكوارث والأوبئة والحروب? التي تعصف أحيانا ببعض المجتمعات? يضحى المشهد الإعلامي أشد حلكة وقتامة? إذ يكبل الإعلام ووسائله بأغلال الرقابة الصارمة والتعطيل والمصادرة والمعاقبة التي تستهدف تجريم الرأي? وتذل بقيود ذات منطق واحد وناموس عجيب يعتبر وسائل الإعلام طرفا مقلقا في الصراع القائم. ففي انفجار تشرنوبيل عام 1986 مثلا أضحى هم? الحكومة الشاغل بذل قصارى الجهد للسيطرة على الضجة الإعلامية المدمرة? رغم أن الإعلام في ذاته لا يخلق الحدث التاريخي وإنما يرافقه أحيانا وقد يحفزه أحيانا أخرى.
فأثناء الحروب تفرض الصراعات الساخنة قوانينها ونواميسها الخاصة على جميع الأطراف المتدخلة في النزاع لكنها تثير في الوقت نفسه? على المستوى الإعلامي? إشكاليات مهنية حساسة? بالغة الأهمية والتعقيد? يصبح التغاضي عنها أو عدم حملها على محمل الجد?? من المعيقات الكبرى لازدهار حقل الإعلام وثرائه وتنوعه? عند ذلك نلمس إلى أية درجة تقلصت مساحة حرية الإبلاغ الصادق والدقيق للمعلومة بصورة قاربت معها الحقيقة? أن تصبح مسخا مشوها وهلاميا إلى حد مخيف. فكيف يحدث ذلك?
لا يبدو الأمر في الواقع هينا على الإطلاق? فيما يتعلق بطرق التعامل اليومية لوسائل الإعلام مع المحيط بكل جزئياته. فهي تتلقى بانتظام الأفكار والمعلومات من آلاف المصادر المنظمة? فيما يمثل منافسة حادة للغاية بين أطراف عدة تتصارع على حيز وسائل الإعلام ووقتها. فصح