هل إسرائيل تغي?رت!!..
منذ سنوات اتسعت جبهة الصراع مع إسرائيل وانكشفت نقاط ضعفها. اتسعت من الخارج واتسعت من الداخل. لقد ازداد عدد الذين يشككون بنوايا إسرائيل. المقصود ممن كان ينظر إليها بعين العطف? وبالإعجاب بصورتها الخارجية “كدولة التنوير الوحيدة في الشرق المتخلف”.
بنت إسرائيل فرضياتها على أنها تملك من المقدرة والأسس الأخلاقية ما يمكنها من مواصلة تسويق نفسها على أنها تجسيد لرسالة الرجل الأبيض التي تسلحت بها الحملات الاستعمارية الأوروبية منذ أواخر القرن الخامس عشر? عندما أطلقت غزوة كريستوفر كولومبس الدموية الى الأمريكتين العنان لمرحلة الكولونيالية – مرحلة النهب واستئصال السكان الأصليين.
كما أنها بنت تقديراتها من منطلقات استعلائية وعنصرية على أن أهل المنطقة? العرب? سيستسلمون في نهاية المطاف. وزاد غرقها في هذا الوهم الاستسلام الفعلي لحكام عرب? وجزء من النخب الفلسطينية الذين ذوتوا الهزيمة ومد?وا إسرائيل بالحياة? والأخطر أنهم مدوها بالأقنعة الضرورية لمواصلة تسويق نفسها كراغبة في السلام? عبر توقيع اتفاقات صلح م?ْهينة.
كل ذلك لم يشف? غليل حكامها. فكيف يمكن لدولة راكمت من القوة العسكرية والاقتصادية (المنتجة) التي تفوق ما لدى البيئة العربية المحيطة بها.. بل البعيدة عنها أيض?ٍا أن تتجر?د من غطرستها. لقد لعب الدعم الاستعماري منذ البداية? والمستمر? بسخاء? الدور الأساسي في تغذية روح المغامرة لدى الآباء المؤسسين واللاحقين والأحفاد.
الحركة الصهيونية هي مشروع استعماري أوروبي قاده زعماء من الطوائف اليهودية في أوروبا? الذين استطاعوا تحويل قطاعات من الطوائف اليهودية الفرنسية? والألمانية والبريطانية والبولونية والروسية والأمريكية وغيرها الى “أمة” كولونيالية. بطبيعة الحال كان هذا مناف? لقواعد تشكـ?ل الأمم القائم على التاريخ واللغة والأرض المشتركة. لكن القوى الاستعمارية كانت بحاجة لأن تتخلص من مشكلة اليهود في أوروبا? وتحويلها من مشكلة أوروبية داخلية – عنصرية- إلى مشكلة عربية.
كان قادة الطوائف اليهودية أو جزء منهم جاهزين لذلك روحي?ٍا وأيدلوجي?ٍا ونفسي?ٍا. وكل أشكال الاعتراض التي أظهرها العديد من المثقفين ورجال الدين اليهود على هذه المغامرة الخطيرة لم تجد?. بعضهم جاء الى فلسطين وعندما اكتشف وجود شعب فيها عادوا الى أوطانهم. نعم هناك من رفض التخلي عن وطنه والقدوم إلى أرض ليست له.
ويستحضرنا هنا سفر أحد المثقفين اليهود الذين دعموا دولة ثنائية القومية في فلسطين? وهو يهودا ماغنيس? الى الولايات المتحدة? عشية حرب 1948? ولقاء رئيسها هاري ترومان طالب?ٍا منه عدم فرض قرار التقسيم لما ينطوي على زرع بذور صراع دائم ومستديم بين العرب واليهود. ماغنيس الحاخام اليهودي الصهيوني والبروفسو في الجامعة العبرية? كان أحد مؤسسي منظمة “بريت شالوم” التي اعترضت على إقامة دولة يهودية مستقلة دعت إلى إقامة وطن قومي لليهود في إطار دولة واحدة ثنائية.
إسرائيل اليوم
هل إسرائيل تغي?رت. أم هي نفسها إسرائيل التي عرفناها طيلة الستين عام وقبلها الحركة الصهيونية بكافة عصاباتها. هل من يحاولون إنقاذ إسرائيل من نفسها? من بين أصدقائها الغربيين? متفاجئون من وضعها الجديد? أم أنهم متفاجئون من رفض الشعب الفلسطيني والشعوب العربية? وحركاتهم السياسية الوطنية التسليم بالاحتلال وبالبنية العنصرية للدولة العبرية.
لا شك أن هؤلاء الأصدقاء كانوا مرتاحين لقدرة اسرائيل على إخفاء جوهرها العنصري والكولونيالي لمدة طويلة من الزمن. هم مسؤولون عن تحويل الفكرة الصهيونية القديمة إلى واقع سياسي مؤذ?ُ? وهم مسؤولون عن تكريس هذا الواقع مع كل ما ترتب وما يترتب عنه من ويلات وسفك دماء ونهب وسطو ومعاناة لملايين البشر. هؤلاء الأصدقاء? وكما صرح رئيس الحكومة اليميني السابق لإسبانيا? أزنار? إن انهيار اسرائيل معناه انهيار الغرب. هو لا يقصد بطبيعة الحال? انهيار الدولة والاقتصاد والثقافة? بل انهيار المصالح والعقلية الاستعلائية التي تستند اليها النخب الحاكمة في الدولة الغربية وأمريكا. إن أزنار وغالبية النخب في الغرب لا تزال تستمد ايدلوجيتها ونظرتها للإسلام وللعرب من تراث الحروب الصليبية. (اقرأ دراسات الراهبة السابقة? كارين ارمسترونغ – التي ت?ْنصف الإسلام وترد? على تحريضات المستشرقين في – كتاب “الإسلام في مرآة الغرب”? وكتاب “النزعات الأصولية”).
نعم إسرائيل تغي?رت. التغي?ر قانون الحياة? حياة البشر? البشر ي?ْغي?رون ويتغي?رون. وبالتالي فإن المجتمعات والدول لا تخرج عن هذه القاعدة. والتغي?ر أشكال. قد يكون شكلي وقد يكون جوهري. وقد تؤدي جملة تغييرات إلى طفرة حسب قانون الجدل.
إسرائيل مر?ت بتغيرات عديدة ونوعية في نمط الحياة والاقتصاد والمجتمع والهوي?ات. اسرائيل في الخمسينيات والستينيات ليست اسرائيل السبعينيات والثمانينيات. ولا اسرائيل العقدين اللاحقين. وهناك تراجعات في نظرتها السياسية للعديد من الأمور المتعلقة بالصراع وكيفية إدارته.
ولكن هناك ثوابت