الأسرى الفلسطينيون والإضراب على الطريقة الايرلندية
خاض الأسرى الفلسطينيين منذ بداية الاحتلال أكثر من عشرين إضرابا مفتوحا عن الطعام من أجل تحسين ظروف وشروط حياتهم غير الإنسانية في سجون ومعتقلات الاحتلال ?وكذلك دفاعا?ٍ عن حقوقهم ومكتسباتهم ومنجزاتهم?وضد الحرب الشاملة التي تشنها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية عليهم من أجل كسر إرادتهم وتحطيم معنوياتهم وتطويعهم للقبول بالواقع المأساوي الذي يعيشونه?ناهيك عن ضرب وحدتهم وتفكيك منظماتهم الاعتقالية والتنظيمية ?ومنع بناء وإقامة وممارسة أية أنشطة حزبية وتنظيمية في المعتقلات?وقطع أي صلة ما بين الأسرى والعالم الخارجي?ومنع التواصل ليس بين السجون المختلفة بل أسرى السجن الواحد.
وإدارات السجون تبني حساباتها وحربها على الحركة الأسيرة استنادا?ٍ إلى حالتي الضعف والانقسام الداخلي الفلسطيني ?ولذلك شهدنا الحرب الشاملة التي تشنها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية تأخذ منحنيات وأبعادا?ٍ غاية في الخطورة وبما يحول حياة أسرنا في السجون إلى جحيم لا يطاق?ويشكل مخاطر جدية على حياتهم?حيث تقوم وحدات قمع السجون المسماة ب”النحشون والمتسادا” بغارات واقتحامات نهارية وليلية للسجون المختلفة?تمارس فيها كل طقوس ساديتها وحقدها على أسرانا من التفتيشات العارية والمذلة إلى تحطيم الممتلكات ومصادرة الأغراض الخاصة والشخصية?وليس فقط قلب الغرف رأسا?ٍ على عقب بل وهدم أقسام بأكملها وعزل لعشرات الأسرى في الزنازين وأقسام العزل الانفرادي?ويترافق ذلك مع ضرب واهانات للأسرى وحرمان من أبسط شروط ومقومات الحياة البشرية والإنسانية?وبما يجعل الأسرى يتمنون الموت والشهادة ألف مرة في اليوم على هذه الحياة الذليلة الممتهنة للكرامة والمنتهكة للحقوق وكل الاتفاقيات والقوانين الدولية.
واليوم مع بلوغ الهجمة الشرسة لأقصى مداياتها?وشعور الأسرى بأن إدارة السجون وأجهزة مخابراتها وبقرار من المستويين السياسي والقضائي تنوي إعادة أوضاع الحركة الأسيرة إلى السنوات الأولى لبداية الاحتلال?متنكرة لكل حقوقهم ومنجزاتهم ومكتسباتهم وعاقدة العزم على تحطيمهم وتفريغهم من محتواهم الوطني والثوري والحزبي وتحويلهم إلى مجرد كم مهمل ليس له حول ولا قوة ينشد الخلاص الفردي على حساب العام والخلاص الجمعي?وجد الأسرى أنه لا مناص من العودة لشعارهم الخالد والناظم لكل معارك الأمعاء الخاوية? شعار نموت واقفين ولن نركع و”نعم للجوع وألف لا لالام الركوع”?ولكن هذه المرة بطريقة مختلفة عن كل الطرق والأشكال السابقة?اضراب مفتوح عن الطعام ومتواصل حتى الشهادة بدون ماء او ملح على الطريقة الايرلندية?حيث خاض سجناء الجيش الجمهوري الايرلندي ” الشين فين” في السجون البريطانية هذا الشكل والنوع من الاضراب لحمل الحكومة البريطانية على الاعتراف بهم كسجناء سياسيين?وقد بدأ هذا الإضراب المناضل “بوبي ساندز” في 1/3/1981ليستشهد بعد أربعة وستين يوما?ٍ من الإضراب في 5/5/1981?وليحمل الراية من بعده رفاق آخرين له?ولم يتوقف هذا الإضراب سوى في الثالث من تشرين أول 1981 بعد استشهاد عشرة من مناضلي الجيش الجمهوري في السجون البريطانية?مما حمل الحكومة البريطانية على الاستجابة لمطالب الجيش الجمهوري الايرلندي”الشين فين”.
واليوم مع اقتراب ساعة الصفر لخوض أسرانا البواسل لهذا الشكل من الإضرابات?ضد الحرب الشاملة التي تشنها عليهم إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها ?حرب تميتهم في اليوم ألف مرة?حرب تعزل مناضلين في العزل الانفرادي لسنوات في ظروف مفتقرة لكل مقومات الحياة البشرية?ناهيك عن منع وقطع كل أشكال التواصل ما بين الأسير والعالمين المحيط به والخارجي?وبما يعني قتل بطيء للمناضل ودفن له في الحياة?ولذلك يبقى الخيار الموت بشرف وبعزة وكرامة أرحم ألف مرة من حياة بلا عزة وكرامة.
علينا في الخارج كسلطة وأحزاب ومؤسسات إنسانية وحقوقية ومجتمعية وأهلية وجماهير?أن نكون على أعلى درجة الجاهزية من أجل رسم إستراتيجية شمولية وتكاملية لدعم ومناصرة أسرانا في معركتهم الفاصلة هذه?فهذه المعركة مرشحة أن يسقط فيها عدد كبير من أسرانا شهداء ?وخاصة لمعرفتنا بطبيعة عدونا وما يتسلح به من عقلية مغرقة بالحقد والعنصرية والغطرسة والعنجهية?وخصوصا?ٍ أن ما تقوم به إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية من ممارسات قمعية وإذلالية وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان والأسرى يحظى بدعم وتغطية من المستويين السياسي والقضائي?فعندما يصف وزراء حكومة الاحتلال?حياة الذل والمهانة التي يحيياها أسرانا في السجون وأقسام العزل والزنازين الإسرائيلية بأنها حياة في فنادق خمسة نجوم?فهذا معناه أن هذه الحكومة عاقدة العزم على سحق وتحطيم أسرانا وكسرهم وإخضاعهم وإذلالهم?وهي لن تستجيب لمطالبهم ما لم تشعر بأن هناك دعم جدي ومساندة فاعلة وحقيقية لأسرانا في معركتهم?معركة تفضح وتعري حكومة الاحتلال ومصلحة سجونها?معركة يتكاتف ويتناغم فيها الجهدين الرسمي والشعبي?معركة تدار محليا?ٍ وعربيا?ٍ ودوليا?ٍ?فهذه معركة من نوع خاص?وتتطلب جهدا?ٍ خاصا?ٍ?فأي ان