أعداء النجاح .. صبر?َ جميل
الحقيقة نوعان إما سارة أو محزنة.. إلا أن النسبية فيها تظل حاضرة فإما حقيقة مفرحة تأخذك إلى مستوى النشوة? وإما محزنة بطعم العلقم? وهناك تفاوت? يحكمه موضوع الحقيقة ومدى تأثيرها عليك أو على المحيطين بك أو شاملة يتأثر بها الجميع? بشرا?ٍ كانوا أو أوطانا?ٍ.
وما نتناوله في هذا الموضوع حقيقة بحجم الوطن وصل ضررها حدا?ٍ بدأت معه المسلمات ومدلولاتها اللفظية تحمل معنى مغايرا?ٍ لما تعارف الناس عليه? فالأبيض صار أسود والأسود صار أبيض? حتى أن المنطقة الوسطى ( الرمادية) اختفت? بعد أن صارت هذه الظاهرة مستشرية وممارسة بشكل علني.
إنهم (أعداء النجاح) الذين لبسوا أثوابا?ٍ ليست لهم? ووجدوا طريقهم إلى مفاصل الدولة? ومرافقها الحساسة والمتوسطة والدنيا?ٍ? ويهمنا هنا (المتوسطة والدنيا) التي يتعامل معها المواطن بشكل مباشر? فخطورة هذين المستويين أكبر على مستقبل الأجيال القادمة وخطورتهما على مقدرات البلاد للعديد من الاعتبارات (اتساعهما وأثرهما? ولتواريهما?ٍ عن الأنظار… الخ). مثل هذه الحقائق يعجز الإنسان عن فهمها أو تقبلها ومع هذا فهو مجبر?ْ على التعامل معها صباح مساء وإن لفحت بنيرانها وجهه.. أينما توجه وأينما حل يجدها واقفة أمامه مبتسمة فاغرة فاها أمامه بابتسامة صفراء وعليها حلة هانئة لا ينغصها كدر العيش ولا الإرهاق وجور الزمن? رافلة في النعمة? «مدلدلة أقدامها» تنفث دخان سجايرها في وجهك لتذكرك بحقيقة وجودها? ونجاعة نهجها? وخيبة قيمك ومثلك العليا التي أمنت بها? وتسعى جاهدا?ٍ لتلقينها لأبنائك. مثل هؤلاء يصيبونك بالإحباط? والشك في ما أمنت به? ويبعثون فيك روح التشاؤم بالمستقبل الذي ينتظر أبنائك.. فما معنى أن تجتهد في تربية أبنائك على القيم والمثابرة? والتحصيل? وأنت تعرف أن هذه الأدوات ستصدم بواقع مغاير ليس لهم فيه حظ أو فرصة للنجاح.إنها حقيقة واقعة رضينا بها أو تعامينا عنها ..
ما يزيد الطين بلة أنك لا ترى في الأفق ولو على المستوى المتوسط بوادر تقويم لهذا الاعوجاج? الذي سيأتي ببلائه على الجميع? بل أن هؤلاء الطفيليين الذين سرقوا ويسرقون النجاح قد شرعنوا لمثلهم وأرسوا قواعد ما عادت هينة يمكن معالجتها وأصبحوا سرطانا?ٍ يأتي على ما بقي من مقومات النجاح. وأكثر من ذلك صار الكثير يتمثلهم ويجعل منهم قدوة له? ويتحين الفرصة لتقديم أوراقه لنيل منصب ما أو حيازة حق ليس له.
وصول مثل هؤلاء إلى مناصب سياسية? وحزبية قد نتفهمه بحكم طبيعة العمل ولما عرف عن مثل هذا النشاط? الذي يعتمد على التضليل? والانتهازية? والتصيد? والارتهان لمن قد يساعدهم لنيل ما يسعون له أيا?ٍ كانت الوسيلة.. أما في الأعمال الإدارية والمالية? والمهنية? فهذا ما لم يسبقنا أحد إليه لما عرف عن نتائجه الوخيمة التي لا تفرق بين – فلان وعلان- أو صغير أو كبير أو حاكم ومحكوم . فحين ننسف الإرث الحضاري والعلمي والأخلاقي بالسكوت على مثل هؤلاء فماذا أبقينا.. في مثل هذا الحال كيف نرجو أصلاحا?ٍ للإدارة? أو الاقتصاد? أو السياسة المالية? أو الصحة? أو الكهرباء? أو التعليم ….. الخ.. فلا منطق يعترف به ولا قواعد يبنى عليها ولا حساب يسترشد به? فمع هؤلاء يصبح الباطل حقا?ٍ والحق باطلا?ٍ? والمظلوم ظالما?ٍ والظالم مظلوما?ٍ.. عندما تعكس القواعد التي قامت عليها الحضارات رأسا?ٍ على عقب تصبح النتائج غير مهمة والوسيلة غاية والغاية مغيبة. نعم إنهم الأخطر على أي مجتمع .. ليس لأنه لا يعول عليهم .. بل لأنهم يقلبون الحقائق فيجعلون من الفشل نجاحا?ٍ والنجاح فشلا?ٍ? لأنهم لا يحبون الناجحين? ولا يؤمنون بالتميز ويحاربون الإبداع? ويخافون التجديد? ويرتعبون من المنافسة..
نعم إنهم سوس ينخر في جميع مفاصل حياتنا اليومية ولا يخلو منهم مرفق أو دائرة? مستغلين غفلة اصحاب البيت وثقتهم? فانتشروا كالصراصير? غير عابئين بوسائل المكافحة? التي أمنوا تغييبها? عبر النفاق والادعاء? والتملق? وادعاء الكمال والفهم لكل صغيرة وكبيرة. ولمن لا يعرف كيف يميز أمثال هؤلاء نعطيه لمحة ولو موجزة عن بعض صفاتهم التي يعرفونها هم أنفسهم أكثر من غيرهم? واقتنعوا بها? وصارت لهم عقيدة ومنهجا?ٍ يوصلهم إلى مآربهم. يمتازون بـ«أنا?ٍ» متضخمة? مدعين الفهم والقدرة والتفوق على الغير? ينكرون جهود من يعمل معهم وينسبونها إلى أنفسهم? يتلونون حسب ما تقتضيه منافعهم الشخصية? شهاداتهم التملق والتصنع واللف والدوران? لا يؤمنون بتكافأ الفرص? يخافون من الإنسان الناجح? لا يحبون مشاركة الغير لهم في تولي المسئولية? لا يعترفون بفضل لأحد? يجحفون في حق غيرهم? يصابون بالصداع والإرهاق والرعشة عندما يرون نجاحك? يجعلون من يعمل معهم يتلفتون يمنة ويسرة احترازا?ٍ من أذاهم وطعناتهم الغادرة? يتأتئون عندما تواجههم ويدعون المسكنة? ويستدرون العطف والشفقة? هذه بعض ما اتفق عليه علماء النفس من صفاتهم التي يعرفونها? ويستغرب الكثير من الناس من عدم خجلهم عندما يحطون من شأنهم رغم علمهم بأن عيون المحيطون بهم ترصد دمامتهم