مخاطبات حواء وشفرة الحب والحياة لبشرى البستاني
مربكة هي الكتابة عن شعر بشرى البستاني لأن حدود نصها الشعري تبدأ منها وتنتهي اليها ولايسعنا ونحن نطالع قصائدها الا ان نشهد هذا التشابك الفاتن بين الكاتب ونص?ه .. حتى تتحول القصيدة الى هوية اخرى اكثر صدقا مما تقوله الاوراق الثبوتية .
تتعدى علاقة البستاني بنصها المحدودية فتتجاوزها الى الشمولية منتمية بذلك الى حواء الأصل مانحة اياها صوتها ولغة جديدة ماطرة تسبر تلك الاغوار السحيقة مشرعة بوجه صمتها المعتق نوافذ البوح والرؤى عبر خطابات حوائية لم تخضع لتكرير اللغة والحواس انصياعا لعقدة الزمان والمكان ? حتى جاءت تشفيرتها الشعرية شكلا لغويا مبهرا نابعا من أصل اللغة لايتخذ منه ملاذا للإيهام الذي غالبا ماتحتاجه المرأة / حواء كقناع لغوي للإلتفاف حول المعنى ? وفي ذات الوقت تحافظ على قدسية نصها الشعري فتنأى به عن ذلك المواء الشباطي الذي تتصف بها خطابات الجسد وهو يحاول ارتداء شكل القصيدة .
منذ القصيدة الأولى في ديوانها (مخاطبات حواء ) لاتنفك الشاعرة عن رسم خطواتها بموسيقى شعرية تعلو بتعدد المشاهد التي تضع القاريء في مقدمة القصيدة وقلبها ? فثيمة النص تميزت بكثافة اللغة التي هبطت بفطرتها كخامة وكجسد ولد للتو ونزل بعرائه على سطح الورق لذا جاء النص متدفقا بصدقه مبتعدا عن بهرجة اللغة متفلتا من القوالب الضيقة التي باتت تحشر حتى قصيدة النثر ضمن اسوار الإيهام والغموض التي غالبا ما يضيع فيها القاريء محاولا فك تلك النصوص الطلاسمية التي يضيع فيها المعنى وتتشتت الصورة الشعرية وربما من هنا جائت اشكالية قصيدة النثر التي خرجت من اطارها الجمالي عند بعض الشعراء لتتحول الى احجية تسلب القاريء بأنواعه متعة القراءة وتحرمه من استشفاف روح القصيدة ورؤية تجلياتها .
ان من جملة مايميز لغة البستاني في هذا الديوان هو ذلك الايقاع الداخلي للقصيدة فنجدها تضاهي القصيدة الموزونة التي تخاطب الاذن قبل كل شيء وهذا لاينتقص منها بالتأكيد لكنه يشير الى سبب بقائها عالقة في الذاكرة عكس قصيدة النثر التي تكفلت الشاعرة هنا بتعريفها تعريفا شعريا خالصا بنصوص هذا الديوان فيتمظهر لنا ايقاع القصيدة الداخلي المبني بهندسة درامية سينمائية تضع القاريء امام شاشة هذا العرض البانورامي الشعري وفي بدايته تماما والبداية هنا تتعدى الاستهلال أو الاضاءة فهي تمثل بداية كونية تصور لنا بداية الخليقة وأصل التكوين تسردها حواء بتجلياتها لتضعنا في مواجهة مبهرة امام ذلك التناغم الروحي والجسدي مع آدم كفعل إبداعي موصول بجمال الطبيعة وكسر من اسرارها المقدسة :
فجأة تتداعى الغيوم ?
تسد النوافذ?
لحن أخير يرف على الشرف المطفأة ..
أمد ذراعي ?ِ
امسك مايتناثر من ندف النغم
الشمس تومض ?
فجأة …
وترف البلابل
يهدر موج عصي ?
وتهفو الغصون ?
تغادر روحي قضبانها …
فجأة ?
يتداخل بحر بأفق ?
وأرض بنهر
تدور الصحارى?
وأصعد?
أصعد …
حتى التلاشي .
كونشرتو شعري
يتمحور الحدث الشعري حول بؤرة الخلق وبداية التكوين ولابد من التوقف عند عتبة العنوان