على خطى الشهيد إبراهيم الحمدي*
اعترف أنني بدأت اهتم بتجربة الرئيس إبراهيم الحمدي والبحث والسؤال عن حياته بعد قصة مهجري الجعاشن? قصتهم المأساوية التي تحكي تهجير الشيخ لخمسين أسرة من ديارهم ومزارعهم وتوطين مليشياته في البيوت والممتلكات والمزارع الخاصة بهم ? كل ذلك كعقاب قدره الشيخ على جريمة عجزهم عن الوفاء بمبلغ الجباية السنوي الباهظ الذي يصل إلى مائتي ألف ريال عن الأسرة الواحدة سنويا? الآن هم في صنعاء ورداع وإب وتعز .. ولكم أن تتصوروا حجم المعاناة التي يعانيها من بات يعلم أن لا بيت ولا كهف ولا أخدود يؤويه .. فأين هو الوطن ?!
بحكم تواصلي اليومي معهم أقول .. أنهم أيها السادة يتذكرون إبراهيم الحمدي بحب وشغف وامتنان .. وكأنه واحد منهم ? وكأنهم أيتام يتذكرون أيام العز في ظل أبيهم الراحل!
غير الجعاشن .. قرأت مئات وآلاف التعليقات في المواقع والأندية الالكترونية في الحوارات التي تدور حول مأساة المهجرين والتي تـ?ْجمع بصورة مدهشة على الثناء على الشهيد إبراهيم الحمدي الذي عاش في ظل حكمه أبناء الجعاشن مواطنين بلا شيخ يودعهم سجونه الخاصة ويتخذهم عبيدا?ٍ وأقنان ? الكثير يروون أن الحمدي أودعه السجن لستة أشهر استجابة لشكوى أحد المواطنين .
ما الذي يجعل أبناء الجعاشن يصرون على القول أن من حقهم أن يتذكروا الشعور بالكرامة التي أهدرت مع أول قطرة دم أريقت من دم الحمدي ورفاقه ? وأن من حقهم أن يتحسروا على غد أفضل ومستقبل كان له أن يكون واعدا?ٍ بالرفاه والحياة الكريمة لو امتدت فترة الحمدي إلى عقد أو عقدين فضلا عن ثلاثة عقود ? كان سيحدث شيئا من الانجاز ممالا يمكن التنبؤ بمداه وامتدادته ..هذا مايجمع عليه اليمنيون الذين يتحدثون بحميمية عن الشهيد إبراهيم الحمدي وكأنه فرد من عائلة كل واحد منهم ? يسردون الوقائع وشيئا مما حملته الذاكرة عن مواقف خالدة للشهيد وبعضا من أقواله وعبارات من خطاباته ? نتساءل اليوم لم هي عظيمة الدلالة ولماذا لها كل ذلك الأثر.
الأخوات والإخوة : إن مظاهر العظمة لدى تجربة الشهيد الحمدي تتخذ لها أكثر من صورة وتتجلى في أكثر من جانب ? تجربته في التعاونيات والتي تكشف إحدى أهم ملامح عبقريته .
تعد تجربة التعاونيات أحد أبرز تجارب العمل الأهلي العالمية بالقياس إلى الانجاز والفترة الزمنية لذلك الانجاز ? لقد أطلقت” التعاونيات” العمل الأهلي إلى أوسع مدى ? ومضت فيما يشبه الإعجاز تحقق النجاح تلو النجاح ? حين مضى الناس يحتشدون للمساهمة والتطوع وينخرطون في العمل التعاوني في كل اتجاه بشكل شامل وفي ظل حماس واستعداد كبير ومتنام للبذل والعطاء.لم تكن التعاونيات مجرد اختراع جاءت به المصادفة ? لقد كان الشهيد الحمدي يعي تماما أن المجتمعات الحديثة والدول المدنية تبنى فقط في ظل ذلك الحس بالعمل التعاوني والطوعي? وبمؤسسات ولجان ومجالس شعبية تحقق التنمية الشاملة بالشراكة مع الدولة ومباركتها .. لا ككابحة ومدمرة للعمل التعاوني باعتباره عدو للسلطة وخصم للدولة كما هو حاصل الآن .
حين يتخذ الناس موقفا سلبيا من العمل الطوعي? وحين يرون الدولة غير راضية عن الجهد التعاوني والمساهمة الأهلية ? فان موعد أفول الدول وانهيار الحكومات يكون قد اكتملت شروطه? إن الحديث عن تحول حضاري في ظل غياب فلسفة العمل التعاوني .. والثقافة والوعي التي تؤمن به وتعلي من شانه? يغدوا مجرد أماني غير قابلة للتحقيق ? أصحابها تنقصهم المعارف الموضوعية لتحقيق النهضة وإطلاق التنمية الشاملة.
يمكن القول بأن تجربة التعاونيات غدت وسيلة الشهيد ابراهيم الحمدي الفضلى لاحداث التحول الاجتماعي والانتقال بالمجتمع من الروابط غير المدنية من عشائرية وقبلية وجهوية الى المواطنة المتساوية حيث بدت التعاونيات خلال تلك الفترة القصيرة من التجربة التي انتهت باستشهاد الحمدي آلية ناجعة لخلق وسيط محلي شريك للدولة في التنمية والبناء لاتابعا او خصما?ٍ لها ? وليس بديلا عن القبيلة بقدر ماهي تحديث شامل لها لتغدوا في ظل التعاونيات حلا للتنمية المستدامة لامشكلة أمامها.
أيها الأعزاء : إن أحد مظاهر الكارثة والمأساة الناتجة عن عملية اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي تمثلت لاحقا في اغتيال مشروعه التعاوني من خلال خطوات وسياسات رسمية اتخذت بعناية وخبث لتدمير تجربة التعاونيات الرائدة حين تم مسخها إلى مجالس رسمية غير جادة معزولة عن الدعم والجهد الشعبي ومحرومة من الرعاية والدعم الرسمي? مرورا بتدمير الثقافة التعاونية والاستعداد المجتمعي لبذل الجهد الطوعي وحشده والتحريض عليه وجعل الباب مسدودا?ٍ امام كافة المبادرات التعاونية والأهلية وفي ظل تشكيك وتحريض دائم ضد أي مبادرة أهلية أو جمعية أو مؤسسة طوعية.
الأخوات والإخوة .. إن تجليات العظمة الأخلاقية للشهيد إبراهيم الحمدي تتجلى أيضا في حكمه القائم على العدالة والانصاف ومراهنته على التصحيح الشفاف? وعدم مساومته على المساواة وسيادة القانون ? في إرساءه لفلسفة الدولة وفي احترام المال العام وهيبة القوا