دولة في مواجهة طفل
جديد العنصرية الإسرائيلية هو دعوة أحد أعضاء الكنيست إلى قتل أطفال القدس الذين يلقون الحجارة وإطلاق الرصاص عليهم حتى الموت..
هذا الموقف المعادي للأطفال ليس حالة?ٍ شاذة?ٍ فهو يأتي بعد أيام من تعمد مستوطن دهس مجموعة من الأطفال الفلسطينيين أمام الكاميرا ثم لواذه الفرار? كما أن هذا الموقف لا يمثل حالة اليمين المتطرف في كيان الاحتلال وحسب? بل هي السياسة الرسمية المعتمدة في التعامل مع الأطفال الفلسطينيين? وقصة الطفل كرم دعنا من الخليل برهان على ذلك.فقد حكمت محكمة الاحتلال قبل أسابيع بفرض الإقامة الجبرية عليه في بيت جده ستة أشهر وعدم السماح له طوال هذه المدة بالذهاب إلى بيت والده أو إلى مدرسته? والتهمة هي إلقاء حجر عبر به عن غضبه على من احتل أرضه وقتل أبناء شعبه… ..
مثل هذه القصص في التعامل مع الأطفال الذين يفترض أن يقضوا حياتهم بين اللعب والمرح تبعث في النفس مشاعر مختلطة فهي من جهة تحكي فصولا?ٍ جديدة?ٍ من قصص المعاناة الفلسطينية التي لا تنتهي?
لكنها من جهة أخرى تبعث على السخرية فهي تكشف مدى تفاهة الاحتلال وضيق أفقه ومحدودية تفكيره? فدولة بأجهزتها الشرطية والقضائية تلاحق أطفالا?ٍ وتعاملهم معاملة الند للند.
الاحتلال صاحب سجل أسود في الجرائم ضد الأطفال? والإحصائيات تؤكد أن استهداف الأطفال هو نهج ثابت في سياسة الاحتلال? فعدد قتلى الانتفاضة من الأطفال بحسب المراكز الحقوقية 1859 شهيدا?ٍ? ولا نزال نذكر مشهد قتل الطفل محمد الدرة قبل عشرة أعوام? والذي قدر أن يكون استهدافه في حضور إعلامي وثق الجريمة التي هزت الضمير العالمي? ولولا صدفة الوجود الإعلامي لمرت الجريمة كما مرت مئات الجرائم الأخرى.
ولا يتوقف الاستهداف الصهيوني للأطفال بعمليات القتل التي قد يبررها الاحتلال بأنها كانت بالخطأ? ولكن هناك مئات الأطفال الذين يختطفهم الاحتلال ويزج بهم في السجن? وكثيرا?ٍ ما تكون التهمة هي إلقاء حجر.
إذا?ٍ لم تكن قصة الطفل كرم استثنائية?ٍ? لكن ما يميزها هو ما تكتنزه من دلالات ورموز. أحيانا?ٍ تكون في الحياة مواقف تتكثف فيها الرموز فتبين الحالة النموذجية مجردة?ٍ من الشوائب والملابسات? وقصة الطفل كرم هي من هذا النوع الذي يكشف حقيقة المشهد ببراعة دون أي معالجة إخراجية ليصبح العنوان بكل بساطة (دولة في مواجهة طفل).
مثل هذه القصص تكشف تناقضا?ٍ بنيويا?ٍ يعيشه كيان الاحتلال. فهو من ناحية يقدم نفسه بأنه جزء من العالم المتقدم المتحضر? وأنه واحة الديمقراطية في صحراء الدكتاتوريات? لكن أفعاله تفضحه ولا تعطيه فرصة?ٍ للاستمرار في الخداع والتضليل? فهو يضطر لمناقضة نفسه وللتصرف بطريقة العصابات? حتى لا يدفع الثمن الذي تقتضيه الطبيعة الحضارية فيضطر إلى إظهار عدوانيته وعنصريته إذ لا يستطيع أن يعيش إلا بطبيعته..
مرجع هذا التناقض البنيوي الذي يعاني منه الاحتلال أن كيانه أسس من أول يوم على الاحتلال واغتصاب حقوق الآخرين? فمهما حاول إظهار نفسه بمظهر حضاري ديمقراطي فهو لا يستطيع أن يغير جلده لأن ذلك سيؤدي إلى فنائه.
فمثلا?ٍ بينما يقدم الكيان نفسه للعالم بأنه دولة ديمقراطية? إلا أنه لا يستطيع أن يظل منسجما?ٍ مع هذا الادعاء على طول الخط لأن ذلك سيكلفه أن يدفع ثمنا?ٍ يؤثر على تركيبته العنصرية الاحتلالية? فيضطر إلى مناقضة هذه الديمقراطية في تعامله مع فلسطينيي الداخل الذين يفترض أن يكونوا جزء?ٍ من مواطنيه وهذا ما ظهر بشكل صارخ في جملة القرارت والدعوات العنصرية الأخيرة التي تهدف إلى إسقاط حق الجنسية والإقامة عن خمس مواطني الدولة لدوافع عنصرية? وهكذا فإن الاحتلال والديمقراطية نقيضان لا يلتقيان.
بالطبع فهذا ليس هو المثال الوحيد على التناقض الوجودي الذي يعيشه كيان الاحتلال? فكونه احتلالا?ٍ يكلفه أن يتصرف بطريقة العصابات لمواجهة الحق الصارخ الذي لا يستطيع مواجهته بمنطق القانون? وهكذا يقع الكيان في تناقض بين ادعائه بأنه جزء من العالم الحر وأنه دولة تحترم القوانين والأعراف? وبين تصرفات العصابة التي يقوم بها لحسم معاركه? وقد ظهر هذا السلوك الهمجي جليا?ٍ في حرب غزة وما احتوته من فظائع تترفع العصابات عن ارتكابها من تعمد استهداف المدنيين بالمئات واتخاذهم دروعا?ٍ بشرية? وقصف المدارس والمساجد والمستشفيات? مما جعل الكيان في نظر العالم دولة عصابات مارقة ترتكب جرائم حرب? وأدين في مجالس حقوق الإنسان الدولية? مما استنزفه كثيرا?ٍ إعلاميا?ٍ وسياسيا?ٍ ? ورغم ذلك فهو لم يتعلم من الدرس ولم يراجع نفسه وأعاد ارتكاب ذات الحماقة مع أسطول الحرية حين خلع ثوب الدولة وارتدى ثوب عصابات القراصنة فهاجم الأسطول في أعالي البحار وأعدم المتضامنين الإنسانيين? وسرق محتويات السفينة..وكما وقع الكيان في هذه الحماقة فإنه سيقع في غيرها ومن العبث الظن بأنه سيتعلم من أخطائه? فهو يقوم بهذا السلوك لأنه لا يستطيع أن يحيا إلا به ? فما دام قد ولد ولادة?ٍ غير طبيعية فليس من المتوقع أن يسلك سلوكا?ٍ طبيعيا?ٍ ? لأنه إن لم ي