” الــــــعــــــطـــــــر” لباتريك زوسكند (معركة إثبات الذات وتحقيق الوجود !!)
باتريك زوسكند
• ولد باتريك زوسكند في العام 1949 في أمباخ على سفوح الألب. ونشأ وترعرع في كنف أب متعلم ومثقف ورث عنه باتريك الابن هذه الثقافة والمعرفة وجاء هذا الإرث في شكل قصصي وروائي ? درس باتريك التاريخ في جامعة ميونيخ وحين انتقل باتريك إلى باريس ليكمل تعليمه كان يسكنه هاجس البحث عن التفرد والتميز من خلال خلق شيء جديد وبالفعل جاء هذا الشيء المتميز في شكل مسرحية عنوانها عازف الكونترباس وذلك عام 1981م والتي ع?ْرف بها كاتبا?ٍ ? ثم العطر ? أولى رواياته 1985 والتي نحن بصددها ? وتماما مثلما يبعث الأسى الأسى ويبعث الكلام الكلام بعثت رواية ” العطر ” بأفكارها أفكارا?ٍ أخرى فبعد فترة وجيزة أ?َلهم باتريك قصة جديدة عنوانها ” الحمامة” وكان وجه التميز فيها هو موهبة بطلها التي بدت في قوة حاسة السمع لديه بشكل غير معهود ومثير ? أما العطر فقد كانت في البدء مجرد قصة ولكن سرعان ما لمعت في ذهن باتريك فكرة أنها تناسب أن تكون رواية فباشر العمل فيها وحمله ذلك إلى التنقل مسافرا لأكثر من مكان بحثا عن صاحب الأنف الكبيرة ? وشعر باتريك بعد إتمام عمله الجديد بأنه وصل إلى بغيته ساعده في ذلك ثقافته المكتسبة من البيئة الفرنسية حيث كتب سيناريوهات لمسلسلات تلفزيونية عديدة وقصص?ٍا قصيرة وسيناريوهات سينمائية.أما العطر فقد طارت شهرتها في العالم بغير جناح ..
حصل باتريك زوسكند على جائزة غوتنبرغ لصالون الكتاب الفرانكوفوني السابع. ويتنق??ِل حالي??ٍا بين باريس ومونيخ? وباتريك يرفض المقابلات بكل أنواعها ويعيش?ْ متفر??غ?ٍا للكتابة.
• رواية العطر
رواية العطر ?جاءت بأسلوب مدهش لتحكي قصة قاتل منذ ميلاده وحتى آخر لحظة من حياته وهو ” جان باتيست غرنوي” وهي شخصية مثيرة وغريبة خصوصا?ٍ فيما يتعلق بمن عاش معهم فأول صرخة منه بعد خروجه إلى الدنيا أرسلت أمه إلى حبل المشنقة لمجرد أنها أرادت التخلص منه بغض النظر عن أنه ابن غير شرعي إضافة?ٍ إلى كونها فقيرة وهذا هو المسار الذي التزامه زوسكند طيلة الرواية وهو يصور شخصية غرنوي بمعنى أوضح أن كل من عاش عندهم غرنوي كان الموت هو المصير الذي ينتظرهم بمجرد أن يفارقهم ابتداء من أمه مرورا بصاحبة الملجأ التي قضى طفولته عندها انتقالا إلى الدباغ الذي اشتراه منها ثم العطار الذي ابتاعه من الدباغ ثم ….إلخ
واستمرت حياة غرنوي بهذه الطريقة وانتهى كل من عاش عندهم وعمل لديهم ثم فارقهم لأسباب مختلفة وهذه الأسباب كانت في الأساس تخص غرنوي نفسه رسمها له القدر ” زوسكند ” ولمحاولة إدراك تلك الأسباب يلزمنا التحليل المنطقي والنظر إليها من زاوية مغايرة فالهاجس الذي كان يسكن غرنوي منذ البداية هو نفس الهاجس الذي يسكن أي إنسان في العالم حباه الله بموهبة? إنه هاجس الانتماء ورغبة تحقيق الذات وإثبات الوجود..
* * * *
* إن الرغبة الدائمة والملحة على الإنسان هي رغبة الوجود? وكل مغامرات الإنسان الطويلة ليست في أقصى غاياتها إلا طريقا?ٍ لتحقيق وجوده وإثبات ذاته ومن ثم لإدراك معنى هذا الوجود ? وقد أخذت هذه المغامرات أشكالا مختلفة ? فهي تتمثل مرة في البحث عما نسميه الحقيقة وأخرى في البحث عن الله ? وثالثة في محاولة تفهم ما النفس ? وإذا نحن ترجمنا هذه المحاولات في إطار أهم أمكننا أن نتمثلها في علاقة الإنسان بالكون? وعلاقته بالله ? وعلاقته بالإنسان نفسه? ويتفرع عن هذه العلاقات كل المواقف الثانوية من النظر في الحياة والموت? في الحب والكره? في الخلود والفناء ? في الشجاعة والخوف ? في الخصب واللامحال ? في النجاح والفشل ? في العدل والظلم ? في الفرح والحزن? وكل هذه المعاني مستقرة في الضمير الإنساني ? وقد استقرت فيه منذ وقت مبكر ? منذ أن تبلورت التجربة الإنسانية في العقيدة الدينية.. لقد استقرت في ذاكرة الإنسان التي تكونت عبر العصور وانطبعت آثارها من ثم في عاداته المجتمعية .
– يقول محمد تقي المدرسي أحد المناطقة العرب وصاحب كتاب ” المنطق الإسلامي – أصوله ومناهجه ” إن السؤال الكبير الذي يرتسم أمام الفلاسفة والعلماء معا?ٍ هو البحث عن جذر كل غريزة في نفس الإنسان وهل أن لكل واحدة منها جذرا?ٍ مختلفا?ٍ عن الأخرى أم أن الغرائز تلتقي عند جذر واحد ..?”
إن النظر العميق يهدي إلى وحدة الغرائز السيكولوجية ? بمعنى أنها نابعة من جذر واحد هو حب الذات ? ورجاء الخير لها والخشية عليها من الشر ? بيد أن هذه الوحدة السيكولوجية لا تتنافى مع الاختلاف الفسيولوجي لها ? بل نستطيع أن نقول إن كافة الشهوات تعود إلى غريزة واحدة ?إذ ما من عمل غريزي يقوم به الإنسان إلا بسبب اعتقاده بأنه يقوم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بإشباع إحدى غرائزه الأولية ? والمرء يتبع جماعته خوف تفرده لدى انفصاله عنها وبالتالي حرمانه من منافع الجماعة ? ورجاء المزيد من ذلك . والرجل يتبع نهج الصراع الطبقي ضد طبق