رسائل الرئيس وصلت.. ولكن!
التحركات النشطة التي يقوم بها الرئيس حسني مبارك هذه الأيام إذا كان المراد بها تكذيب الأخبار والتقارير التي روجتها بعض وسائل الإعلام بخصوص حالته الصحية? فإن التكذيب تم.
وإذا كان يراد بها إيصال رسالة تبلغ القاصي والداني بأن الرئيس يؤدي مهامه بكفاءة لم تتأثر لا بالجراحة التي أجريت له ولا بالمرحلة العمرية التي بلغها? فإن الرسالة وصلت.
أما إذا أريد بتلك التحركات تهيئة الرأي العام لاستقبال خبر اعتزام الرئيس ترشيح نفسه لولاية سادسة في انتخابات الرئاسة القادمة? كما صرحت بذلك مصادر الحزب الوطني? فإن تلك التهيئة حققت المراد منها إلى حد كبير.
سواء أريد لتلك التحركات أن تحقق هذا الهدف أو ذاك? أو أن الأهداف الثلاثة كانت ضمن مقاصدها? فالشاهد أنها أشاعت قدرا معتبرا من الاطمئنان على صحة الرئيس وهمته.
غير أن لي ملاحظتين على الخطاب الإعلامي الذي اعتنى بتسليط الأضواء على أنشطة الرئيس في الآونة الأخيرة? هما:
1 ــ أن ذلك الخطاب بالغ كثيرا في تصوير تلك الأنشطة. أقرب مثل على ذلك هو ما نشرته الصحف المصرية يوم الإثنين الماضي (15/4)? حيث أبرزت في عناوينها الرئيسية اجتماع الرئيس مع بعض الوزراء والمحافظين الذي حضره رئيس الوزراء? واستغرق ثلاث ساعات? وهي مدة ليست قصيرة.
إذ حين دققت في التعرف على الموضوعات التي أثيرت في الاجتماع وجمعت حصيلة ما نشرته الصحف في هذا الصدد? وجدت أنها اشتملت على عدد هائل من العناوين? أهمها ما يلي:
أوضاع الصحة ــ مشكلات التعليم والصناعة والزراعة ــ مشروعات الصرف الصحي وتوفير مياه الشرب ــ مراقبة الأسعار وضرورة إحكام الرقابة عليها ــ مراقبة أسواق الجملة وتجارة التجزئة ــ تنظيم التصرف في أراضي الدولة ــ تنظيم وسائل النقل الجماعي ــ استكمال خطوات الفصل بين مراكز إنتاج الخبز وتوزيعه ــ الحفاظ على النظافة العامة ــ مكافحة الفقر ــ النهوض بالعشوائيات ــ زيادة الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي ــ تحقيق الوحدة الوطنية ــ تثبيت قيمة المواطنة ــ مكافحة التطرف والتشدد ــ نزاهة الانتخابات ــ محو الأمية ــ مؤشرات الزيادة السكانية ــ المشاركة بين القطاعين العام والخاص في تقديم الخدمات.
هذه العناوين التي جمعتها من صحف صباح الإثنين وجاء بعضها على لسان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية والبعض الآخر نشر منسوبا إلى «مصادر مسؤولة» لم تذكر هويتها?
لا أتصور أنها بحثت في الاجتماع. ولا أستبعد أن تكون الإشارة إليها أو التصريح بها أريد به المزايدة في عملية إثبات همة الرئيس والتأكيد على تعافيه ومتابعته لكل ما يجري في البلد.
والتحفظ هنا لا ينصب على كم العناوين والموضوعات التي يتعذر بحثها في اجتماع واحد? حتى إذا استمر خمس ساعات (لا ننسى أن بينها شؤون الصحة والتعليم والصناعة والزراعة ومكافحة الفقر)?
ولكنه ينسحب أيضا على نوعية تلك الموضوعات. ذلك أنني أستغرب وأندهش حقا حين أقرأ أن الرئيس في اجتماعه مع الوزراء والمحافظين تحدث مثلا في خطط الفصل بين مراكز إنتاج الخبز وتوزيعه.
وأزعم أن إشغال الرئيس بالخوض في هذه الأمور يعد من قبيل تضييع وقته وتبديد طاقته.
ــ الملاحظة الثانية استقيتها مما نشرته صحيفة «الدستور» في اليوم نفسه? إذ نقلت على لسان مصدر مقرب من الرئاسة قوله بعد الاجتماع إن ثمة تحولا جديدا في علاقة الرئيس بالوزراء والمحافظين? بحيث لم تعد محاسبة الوزير أو المحافظ المقصر في عمله تتم بشكل روتيني وتقليدي? وإنما من الآن فصاعدا سيكون الرئيس شخصيا هو من يحاسب المقصرين.
هذا الكلام إذا صحح فإنه يقلقنا ولا يطمئننا. ليس فقط لأنه يلغى دور مؤسسات السلطة وأجهزتها التي تتولى المتابعة والمحاسبة والرقابة? وإنما أيضا لأنه سيؤدي إلى إشغال الرئيس وإغراقه في بحر التفاصيل اليومية? الأمر الذي يحول بينه وبين القيام بدوره كواضع للسياسات العامة وكقائد للفريق الذي يدير البلد ويؤمنه.
إذا قال قائل إن كلام «الجرايد» مليء بالمبالغات والمزايدات? فلن أختلف معه? لكنني مع ذلك أقول إن الرأي الذي أبديته يصح لو أن ما حدث في الاجتماع عشر معشار ما نشرته عنه الصحف.
ذلك أن البلد الذي يحمل فيه الرئيس على كتفيه كل تلك الأعباء? ويمسك بيديه كل تلك الخيوط? لا أمل فيه ولا رجاء منه?
ذلك أنه يغدو دولة الرجل الواحد? وليس دولة المؤسسات.