حدث في فيينا
شهدت العاصمة النمساوية فيينا نهاية الأسبوع الفائت حدثا?ٍ هاما?ٍ لم تسل?ط الأضواء عليه كفاية? إما لطغيان أحداث لا تقل أهمية عنه كمصير تجميد الاستيطان الاستعماري الصهيوني في الضفة الغربية وسط إصرار تل أبيب على تحدي “نصائح” العالم كله برفض اتخاذ قرار بتمديد هذا التجميد? أو لتدفق الخطب المثيرة للجدل من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك? خصوصا?ٍ أنه لم يبق لدول العالم كافة من تأثير في المنظمة الدولية سوى تلك الخطبة التي يطلقها الرؤساء مرة كل عام.
الحدث النمساوي يتلخص بسقوط مشروع قرار عربي مقد?م إلى الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية يقضي بإلزام النظام العنصري الصهيوني بتوقيع معاهدة حظر انتشار السلاح النووي بفارق قليل من الأصوات حيث صوتت 52 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد القرار مقابل 46 دولة معه في حين امتنعت 23 دولة? وهو أمر لم يحصل على هذا النحو منذ تأسيس الوكالة الدولية قبل 52 عاما?ٍ.
وأهمية هذا الحدث تنبع من أمرين في آن:
الأمر الأول: هو أن مشروع القرار كان موقعا?ٍ من 22 دولة عربية رفضت كلها الرضوخ للضغوط الأمريكية والصهيونية بسحب هذا الاقتراح? بعد أن كان هذا الاقتراح ثمرة جهود متراكمة وجادة قامت بها هذه الدول العربية نفسها منذ سنوات? وخصوصا?ٍ في العام الأخير? وتحديدا?ٍ في مؤتمر متخصص انعقد في نيويورك قبل أشهر لمناقشة مسألة انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط.
واللافت في الأمر أننا? وللمرة الأولى منذ سنوات وحدنا أنفسنا? أمام منهجية في العمل العربي المشترك كدنا نفقدها في أمور عديدة أخرى حيث برز إجماع على موقف? وإصرار على التمسك به وتطوير آليات تجسيده? وهي منهجية نأمل أن يستمر اعتمادها وتعميمها لتشمل كل القضايا الأخرى.
أما الأمر الثاني: فهو أن الإدارة الأمريكية بسعيها لإسقاط هذا القرار وسعيها لاستنفار كل نفوذها لدى دول العالم? بما فيها لدى دول “ميكروسكوبية” صغيرة للتصويت ضده? لم تنجح سوى في جمع 52 صوتا?ٍ مقابل 46 وامتناع 23 دولة عن التصويت في إشارة واضحة إلى ازدياد التململ العالمي من تسل?ط الإدارة الأمريكية ومن إمعانها في سياسة المعايير المزدوجة.
فالعالم عموما?ٍ? والعالم العربي والإسلامي خصوصا?ٍ? لم يعد يقبل بأن تكون مهمة واشنطن حماية ترسانة نووية صهيونية في منطقة خالية من السلاح النووي من جهة? ومن ثم مطاردة أي دولة عربية وإسلامية تسعى لتطوير قدراتها النووية لأغراض سلمية? فتلاحقها بالعقوبات وتهددها بالحرب? كما هي الحال مع إيران اليوم? أو كما جرى مع العراق عام 1980 حين نجحت الطائرات الصهيونية بغطاء أمريكي وغربي بتدمير مفاعل تموز النووي.
ولقد بات الرأي العام الدولي يدرك أكثر من أي وقت مضى أن المصدر الحقيقي للتوتر وعدم الاستقرار في العالم? والبيئة الحقيقية لنمو التطرف والغلو بكل أشكالهما? إنما يعودان إلى هذا الإمعان الأمريكي خصوصا?ٍ? والغربي عموما?ٍ? في انتهاج سياسة الكيل بمكيالين في العديد من قضايا العالم ولاسي?ما في قضايا العرب والمسلمين.
غير أن الأهم من الأمرين الآنفي الذكر يبقى في أن نجعل مما جرى في فيينا في 24 أيلول/سبتمبر مجرد جولة في “حرب” عربية وإسلامية وعالمية طويلة ضد الاحتكار الصهيوني للسلاح النووي في الشرق الأوسط? وهي حرب سياسية ودبلوماسية وشعبية على عدة مستويات.
المستوى الأول: هو المضي في تعبئة الرأي العام العالمي ضد السلاح النووي الصهيوني بكل الوسائل المتاحة? بما في ذلك تشكيل “خلية أزمة” في جامعة الدول العربية تواصل هذه التعبئة? وتستقطب دولا?ٍ جديدة لصالح الموقف العربي لتغيير نتائج التصويت في مرات قادمة? وبما في ذلك عقد “ملتقى عربي – إسلامي – عالمي” يدعم الموقف العربي الداعي إلى “منطقة شرق أوسط خال?ُ من السلاح النووي”.
المستوى الثاني: هو السعي لتأسيس منظومة إقليمية? عربية إسلامية? للتعاون النووي السلمي? وللأغراض السلمية? يتم من خلالها تبادل الخبرات والطاقات بين الدول العربية وإيران وتركيا وباكستان وغيرها? ما يسمح بتحقيق درجة عالية من “المعرفة التقنية النووية “Know How توفر حدا?ٍ من التوازن الضروري الإقليمي في المجال النووي.
وقد قدم المؤتمر القومي العربي مقترحا?ٍ بهذا الصدد إلى قمة سرت العربية في آذار/مارس الماضي? نأمل أن ينال ما يستحق من اهتمام.
المستوى الثالث: العودة إلى قرارات مجلس الأمن بفرض عقوبات على العراق في نيسان/أبريل 1991? بما فيها القرار 687 الصادر تحت الفصل السابع? والذي ما زال معمولا?ٍ به حتى اليوم? رغم مرور سبع سنوات ونصف على الاحتلال الأمريكي للعراق? إذ نجد في البند 14 من القرار المذكور إشارة صريحة إلى أنه وبعد التأكد من خلو? العراق من أسلحة الدمار الشامل دعوة إلى العمل فورا?ٍ لإخلاء منطقة الشرق الأوسط بأسرها من هذه الأسلحة.
فملاحقة تنفيذ هذا القرار الأممي ضد الكيان الصهيوني? وتحت الفصل السابع? تغني العرب عن انتزاع قرارات جديدة في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو غي