علي عبدالمغني .. قائد الثورة اليمنية 26سبتمبر1962
لم تكن الثورة اليمنية 26 سبتمبر/أيلول 1962? ثورة طبيعية تقارن بمثيلاتها من الثورات في العالم العربي والتي تخلصت من الاستعمار الغربي? بل كانت خلاصة نضال مئات السنين ضد نظام الحكم الإمامي التمزيقي الذي تغلغل في المجتمع اليمني على مدى قرون متلاحقة بعد صراع راح ضحيته ملايين اليمنيين..
ثورة استعادة الروح اليمنية التي أنهكت بعد دورات حضارية لم يشهدها مثلها التاريخ? لها رموزها? والذين تقدمهم أحد أعظم من أنجبت اليمن منذ مئات السنين وهو العالم الجغرافي لسان اليمن أبوالحسن الهمداني? مرورا?ٍ بنشوان بن سعيد الحميري? إلى سعيد بن ياسين? وصولا?ٍ إلى أبو الأحرار اليمنيين محمد بن محمود الزبيري? وآلاف الشهداء..
26 من سبتمبر/أيلول1962.. يوم انتصار الشعب اليمني والإطاحة بأخر دويلات الإمامة الهادوية التي حكمت بدعوى الحق الإلهي فترات متقطعة لمناطق شمال اليمن.. تلك الثورة التي خطط لها وقاد تنفيذها وكتب أهدافها ابن الـ25 عاما?ٍ علي عبدالمغني القائد الفعلي لتنظيم الضباط الأحرار حسب الأغلبية العظمى الروايات.. وإن كنا نحتفل سنويا?ٍ بهذه الثورة? إلا أن هذا البطل لم يلق في الاهتمام الرسمي والإعلامي.. وهو الرجل الذي يقال إن الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر لم يبك سوى مرتين: عند استشهاد علي عبدالمغني? والثانية عند انفصال سوريا عن مصر..
علي عبدالمغني
ولد علي محمد حسين عبد المغني في بيت الرداعي مديرية السدة محافظة إب العام 1937? وتوفي والده وهو في الرابعة من عمرة ? تلقى تعليمه الأولي في منطقة “ك?ْت??ِاب نيعان”? وهناك ختم القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره.. .
في العام 1946م انتقل علي عبد المغني إلى صنعاء لمواصلة دراسته وكان في السنة التاسعة من عمره وأثناء وصوله إليها توجه مباشرة إلى منزل الوزير حسين الكبسي طالبا مساعدته كي يلتحق بمدرسة الأيتام. و”كما يحكي عدد من أقاربه فقد لقي ترحيبا حارا من الوزير الكبسي الذي ضمه إلى بيته معتبرا إياه واحدا من أولاده ولم تمض سوى أيام قلائل ليجد نفسه في مدرسة الأيتام وهناك كانت المفاجأة السعيدة بالنسبة له. لقد قررت لجنة الاختبارات في المدرسة إلحاق الطالب علي عبد المغني بالصف الرابع متجاوزة به ثلاثة فصول? وكانت تلك ميزة تمنحها اللجنة المختصة للطلاب المتفوقين”.
التقى علي عبدالمغني في صنعاء بالمناضل جمال جميل العراقي قائد ثورة 48 التي أطاحت بالإمام الأب وفشلت? وما إن وصل وسلم عليهما حتى دعاه جمال جميل وأجلسه بجانبه وسأله سؤالا مختصرا: فيما تكون السعادة? وكانت الإجابة هي الأخرى مختصرة: “السعادة تكون في الحرية”? فضمه جمال جميل إلى صدره وقال وهو ينظر إليه بتأمل كبير: “لو فشلت ثورتنا -لا سمح الله- فهذا الشبل هو الذي سيسحقهم ويكمل ما بدأناه”? وكان علي عبد المغني حينها لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره.
وحصل علي عبدالمغني في ذلك اليوم على “جائزة مالية بالريال الفرانصي” (ماري تيريزا – عمله فضية) من جمال جميل الذي خاطبه قائلا: “هذا المبلغ جائزة لك وعليك أن تهتم بالعلم ولا يشغلك عن التعليم شيء”. وشاءت الأقدار أن تؤول ثورة 48 إلى الفشل ويعتلي الإمام أحمد عرش الإمامة? ويومها أباح صنعاء للنهب والسلب? فضلا على ملاحقة الثوار والقبض عليهم وإنزالهم السجون في صنعاء وحجة? ليصدر بعد ذلك أوامره بإعدامهم وكان الضابط جمال جميل ضمن هؤلاء وكان إعدامه في “ميدان شرارة” (ميدان التحرير) حاليا?ٍ وقبل إعدامه قال للإمام والحاضرين بصوت الواثق: لقد “حبلناها وستلد” ولم يكن الإمام وحاشيته في مستوى يؤهلهم كما يبدو لفهم مغزى كلمات ذلك الثائر الهمام” جمال جميل رحمه الله..
أكمل علي عبد المغني دراسته في مدرسة الأيتام بتفوق? لينتقل إلى المدرسة المتوسطة? وهناك درس ثلاث سنوات متابعا تفوقه? لينتقل بعدها إلى الثانوية وكان نظام الدراسة في المدرسة الثانوية أربع سنوات أتمها جميعا.
ومما يحكي عنه عدد من أقاربه وزملائه أنه تولى إدارة المدرسة وهو في السنة الثالثة ثانوي بعد وفاة مدير المدرسة وقد أجمع المدرسون والطلبة على قدراته في تولي ذلك المنصب وهذا ما حدث بعد موافقة وزارة المعارف (التربية والتعليم) على ذلك.
وعندما كان في السنة الرابعة ثانوي دمجت المدرسة التحضيرية مع المدرسة الثانوية وع?ْي?ن علي عبدالكريم الفضيل -مدير التحضيرية سابقا?ٍ- مديرا?ٍ للمدرسة الجديدة بعد الدمج? وتخرج علي عبدالمغني من المدرسة الثانوية في ذلك العام حاصلا على المركز الأول وأقامت وزارة المعارف حفل تخرج ألقى فيه علي عبد المغني كلمة الخريجين? وقد نالت إعجاب الحاضرين? وعند توزيع الجوائز تسلم جائزته وشهادة تخرجه وفوق ذلك منحه ولي العهد البدر قلمه الذهبي وأعطاه وزير المعارف الحسن بن علي ساعة مصنوعة من الذهب وأصدر قرار بتعينه سكرتيرا خاصا في الوزارة.
في العام 1957 فتحت الكلية الحربية باب القبول لأول دفعة يتم اختيارها من بين طلاب المدارس العلمية والثانوية والمتوسطة وتقدم لها مجموعة من بينه