لماذا هربت الطيور??
حل?ٍقت الحمامة البيضاء على الكتف الأيمن فيما كانت الأخرى ذات اللون الرمادي عبثا تبحث عن حيز لها وسط الحمائم التي كانت بإستبسال تحاول الإستئثار “بفريدريك” الطفل النرويجي ذو السبع سنوات فليس هو الوحيد الذي يتردد الى هذا المكان مصطحبا معه الخبز? ولم تكن أنامله الصغيرة هي فقط التي ت?ْحيل الخبز الى قطع صغيرة لتكون سهلة في فم الطيور التي تتجمع في المكان? فالمشهد تباعا يتكرر يوميا على ضفاف النهر الذي تزدان جنباته بالجسور الخشبية? فهي م?ِضافة يلتف حولها عشاق المدينة والغرباء الذين يفتشون عن وطنهم في مشهد النهر الذي يقطعه جسر حديدي تدق ارضيته ثقل المركبات العابرة من فوقه ? وكنت قد واظبت قبل مدة ليست ببعيدة على الجلوس وحدي في هذا المكان? خاليا من كل شيء غير الذكريات? لكن مشهد الطيور التي كانت تلتف حول “فريدريك” دفعني هذه المرة الى اصطحاب الخبز لعلي اعيش هذا المشهد.
وبالعودة إلى نعومة أظفاري كنت قد اختزلت أحلامي الطفولية بطير صغير يحلق فوق راسي أو أضعه في قفص لأشاهد كيف تعيش الطيور رحلة الإقامة الجبرية بين قضبان القفص? وأتذكر أن صديقا لي في المدرسة كان قد اخبرني أن ثمة حمامة كستنائية اللون قد بنت عشا لها على نافذة غرفته المطلة على المستوطنة المقامة على ارض قريتنا? أتذكر يومها أن الحمامة كانت متجهة برأسها نحو مشهد بيوت “الغرباء” على الأرض المقهورة في الجهة الجنوبية للقرية? وفي اللحظة التي حاولنا الإمساك بها هربت إلى إحدى السطوح العالية وظل رأسها متجها نحو المكان نفسه.
اقتربت من أطراف النهر بعد أن مزقت رغيف خبز كامل إلى قطع صغيرة رميت بها إلى جنباته لجلب الطيور وابتعدت? وبصعوبة كانت حمامة تحاول الوقوف لالتقاط قطعة خبز? وبتمعني بها اتضح لي أن إحدى ساقيها مبتورة? أخذت حصتها وفرت من المكان بعد أن حاولت الاقتراب منها? وفيما كان “فريدريك” منهمكا في أبعاد الطيور عن كتفيه ورأسه كان قد مضى وقت طويل علي?ٍ في انتظار حمائم أخرى تصل إلى المكان لكن دون جدوى.
اندفعت بحزن لترك المكان وفي راسي هواجس وجحيم اسئلة? لماذا لم تأتي الطيور? لماذا هربت الطيور ? هل تكره الطيور الغرباء? ام أنها تخاف القادمين من بلاد الموت والقمع وهي التي تحدث باسمها ساساة العالم باعتبارها رمزا للسلام?! ليت حمامة صديقي تعود إلى نافذته! فمعالم المكان قد تغيرت وهربت كل طيوره ! وليتني لو كنت “فريدريك”!!!