محرقة صبرا وشاتيلا صحوة… وكابوس
يبدوا إن لأحرار العالم طريقتهم الممي?زة في إحياء الذكرى الثانية والعشرين لمجزرة? بل لمحرقة صبرا وشاتيلا? فيما لحكام فلسطين والمنطقة طريقتهم المحزنة? بل المخزية? لإحياء هذه الذكرى التي لم تكن أولى المجازر والمحارق الصهيونية ولن تكون آخرها? غير أنها افتتحت عصرا?ٍ من الصحوة العالمية على عنصرية عدونا وعدالة قضيتنا في آن معا?ٍ? وهي صحوة تتواصل تفاعلاتها وتداعياتها في غير قارة? وبغير أسلوب? رغم محاولات كثيفة للتعتيم عليها? أو لصرف الأنظار عنها? أو لاحتواء مضاعفاتها.
ففيما كان يزور لبنان? كعادته كل عام منذ عشر سنوات? وفد “كي لا ننسى صبرا وشاتيلا” الذي يضم عشرات الأحرار من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية? كان ممثلون عن ستة ملايين ونصف عامل بريطاني يعلنون في مؤتمر نقاباتهم الضخم عن بدء المقاطعة الاقتصادية للنظام العنصري الصهيوني وهو ما اعتبره أحد أبرز النقابيين الإنكليز بدء مسار مشابه لمسار مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا? وهي المقاطعة التي قادت مع نضال السكان الأصليين ومقاومتهم إلى انهيار ذاك النظام الذي يعتبر الأكثر شبها?ٍ بالنظام الصهيوني العنصري والأقرب بين حلفائه إليه..
والمقاطعة الاقتصادية للنظام الصهيوني في بريطانيا تأتي بعد مقاطعة أكاديمية متنامية انطلقت بشكل خاص من الجامعات البريطانية بعد محرقة “غز?ة” وبدأت تتسع لتشمل جامعات عدة في أوروبا? كما تأتي هذه المقاطعة أيضا?ٍ متزامنة مع مقاطعة عمال الموانئ في السويد لتفريغ السفن الإسرائيلية بما يذكرنا بأيام أجبر فيها عمال الموانئ العرب عمال ميناء نيويورك على التراجع عن قرارهم بمقاطعة تفريغ سفينة كليوبترا المصرية في الزمن العربي الجميل عام 1960? بعد نداء ما يزال تدوي أصداؤه حتى اليوم? أطلقه آنذاك جمال عبد الناصر إلى عمال الأمة.
وتتزامن زيارات بيروت? وقرارات عمال بريطانيا والسويد مع حركة انطلاق قوافل شريان الحياة – 5 – في ذكرى صبرا وشاتيلا? فأولها ستنطلق غدا?ٍ السبت من أمام مجلس العموم البريطاني في لندن لتعبر أوروبا باتجاه تركيا فميناء اللاذقية لتتوجه إلى غز?ة عبر معبر رفح? وثانيها ستنطلق من بلدان المغرب العربي باتجاه مصر? وثالثها من الدوحة في قطر تنقل أحرارا?ٍ من دول الخليج والجزيرة العربية بعد أن كانت مشاركة الكويتيات والكويتيين في أسطول الحرية علامة فارقة على أكثر من صعيد.
وفي الهند تلتقي بعد أيام أيضا?ٍ لجان كسر الحصار الأسيوية من جنوب شرق آسيا (ماليزيا? واندونيسيا خصوصا?ٍ) ومن أواسط آسيا (حيث الجمهوريات السوفياتية السابقة)? ومن دول شرق المتوسط (كإيران وتركيا وسوريا ولبنان والأردن) ومن قلب شبه القارة الهندية حيث يتلاقى? في إطار كسر الحصار على غز?ة? ناشطون من (الهند وباكستان وافغانستان وكشمير وبنغلادش) متجاوزين كل الحساسيات المعروفة هناك? تماما?ٍ كما تجاوز الأتراك واليونانيون في “أسطول الحرية” صراعات قديمة – جديدة ليتحدوا في فلسطين وحولها? كما قال لي قبل أشهر أحد مؤسسي حركة “غز?ة حر?ة” البروفوسور فانكاليس باسياس.
وفي إيطاليا? كما المانيا? حملت الأنباء قبل أيام قيام تشكيلين يضم أولهما ثلاثين منظمة إيطالية? وثانيهما عشر هيئات عاملة في ألمانيا? من أجل تجهيز سفينتين كبيرتين? إيطالية وألمانية? للانضمام إلى أسطول الحرية – 2 – الذي ينتظر منظموه ميناء متوسطيا?ٍ مستعدا?ٍ لمواجهة الضغوط الأمريكية – الصهيونية التي على ما يبدو نجحت? حتى الآن? في أن تحو?ل “البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة إسرائيلية”? وأن تتعايش مع قرصنة صهيونية متمادية ومنتهكة لكل القوانين الدولية? لاسي?ما قوانين الملاحة العالمية.
مقابل هذه الصحوة العالمية المفرحة والمثلجة لصدور الفلسطينيين المحاصرين بالألم والمعاناة بكل صنوفها? تبرز غفوة? بل سبات عميق? بل كوابيس مفزعة تطغى على المشهد الرسمي الفلسطيني والعربي مع صور القهقهات المتبادلة بين جلادين وضحايا في محادثات متنقلة بين واشنطن وشرم الشيخ والقدس تسعى لأن تعطي الجميع? ما عدا الفلسطينيين? “حص?ة” ما تساعدهم على مواجهة مآزقهم المتعاظمة.
وتزداد المفارقة بين صحوة العالم وكوابيسنا المتجددة سوءا?ٍ وخطورة? حين نتذكر كيف تم إجهاض صحوات عالمية مماثلة في ظروف سابقة بسبب انزلاقنا إلى مسارات تشابه المسار الذي ننزلق إليه هذه الأيام.
فبعد معاهدة كمب دايفيد ( التي جرى توقيعها في 5 أيلول/سبتمبر 1978) أعادت دول إفريقية وآسيوية وأمريكية لاتينية علاقاتها مع العدو الصهيوني لأنها لا تريد أن تكون “عربية أكثر من العرب”? وبعد اتفاقية أوسلو (التي جرى توقيعها في 13 أيلول/سبتمبر 1993) اضطر بعض من تأخر عن الاعتراف بالكيان الصهيوني من دول صديقة? وحتى شقيقة? إلى إقامة علاقات معه بحجة أنها لا تريد أن تكون “فلسطينية أكثر من الفلسطينيين”? وإذ بأيلول لا يصبح في تاريخنا مقرونا?ٍ بالمجازر الدموية فقط? بل بالمجازر السياسية الرامية إلى تصفية القضية الأهم في حياة العرب المعا