حلال في الكرة حرام في السياسة
ثمة قلق مشهود في الأوساط الرياضية المصرية على المنتخب الوطني لكرة القدم? بعد تعادله مع فريق سيراليون? وفشله في الحفاظ على هيبته كبطل للقارة الإفريقية.
ولأن الموضوع مثار في الصحف اليومية? فقد أتيح لي أن أتابع الآراء التي أبداها الخبراء في تفسير ما وصف بأنه تراجع للفريق ينذر بفقدانه لمكانته.
ولاحظت أن هناك إجماعا بينهم على أن المنتخب ومدربيه دخلوا مرحلة الشيخوخة? وأن الفريق أصبح يعتمد على عدد من اللاعبين الكبار الذين استهلكوا خلال السنوات الست الماضية? ومن ثم تراجع عطاؤهم ولم يعودوا قادرين على الاحتفاظ بلياقتهم البدنية? الأمر الذي أدى إلى إحراجهم في أكثر من مباراة.
وهذه الشيخوخة كانت أيضا من نصيب المدربين واتحاد كرة القدم? والحل كما رأوه هو الشروع على الفور في إحداث التغيير الذي يكفل إمداد المنتخب بعناصر جديدة تضخ في عروقه دماء جديدة.
الشيخوخة لم تكن السبب الوحيد الذي طرح نفسه في الحوار الدائر? لكنها ظلت السبب الأول الذي انعقد من حوله الإجماع?
هناك أسباب أخرى على ألسنة الخبراء منها الوضع الاحتكاري الذي يمارسه فريقا الأهلي والزمالك في الساحة الرياضية.
ومنها طريقة اللعب التي باتت تحتاج إلى مراجعة وتعديل? وغير ذلك من الأسباب الفنية التي لم تساعدني ثقافتي الكروية المتواضعة على استيعابها? إلا أن ما همني في الموضوع هو ذلك الإجماع على شيخوخة نجوم المنتخب?
وذلك الانتقاد لسياسة مقاومة التغيير في تكوين الفريق. والتردد في تطعيمه بالعناصر الشابة والطاقات الجديدة.
وجدت الكلام ينطبق على الحالة السياسية في مصر? بحيث إنك إذا رفعت اسم المنتخب القومي ووضعت بدلا منه لافتة النظام السياسي المصري المشهور بأزهى العصور? لاستقام الكلام وبدت خلاصته منطقية تماما? مع اختلاف في الدرجة وليس في النوع?
بمعنى أن مشكلة الشيخوخة ستظل واحدة في المنتخب والنظام السياسي? إلا أن إرهاصاتها ظاهرة للعيان في حالة المنتخب? وما زالت هناك إمكانية لحل المشكلة وإنقاذ الموقف? في حين أن الحالة متأخرة فيما يتعلق بالنظام المصري.
وإن كان هناك قلق من أن يفقد المنتخب مكانته بعدما أحرج أمام فريق سيراليون? إلا أن فقدان المكانة حدث بالفعل بالنسبة للدولة المصرية? على نحو بات يستدعى تغيير المنتخب السياسي و«مدربه»? وليس فقط تطعيمه بالعناصر الجديدة. فضلا عن أن بعض المراقبين يتحدثون عن دخول المنتخب الأخير في مرحلة ما بعد الشيخوخة? ملمحين إلى ما يسمونه «الزهايمر» السياسي.
سبق لي أن تمنيت إخضاع اللعبة السياسية إلى قواعد وقوانين الفرق الرياضية? حيث ليس هناك لاعب? حتى وإن كان كابتن الفريق يظل مصرا على الاستمرار في اللعب حتى آخر نفس.
وليس هناك لاعب مهما بلغت نجوميته وعبقريته يمكن أن يورث مكانه لابنه بالتدليس والتزوير.
ومن أراد أن يبقى في الفريق فعليه أن يثبت جدارته بلياقته ومهاراته وبخلقه أيضا?
ومن فقد جدارته ولياقته فعليه أن يعتزل بلا تردد.
وهناك معيار واحد لإعلان فوز أي فريق هو إحراز الأهداف حيث لا فوز بالواسطة أو بالغش والتلاعب في الأصوات.
ثم إن المباريات كلها تتسم بالشفافية الشديدة? فكل أحداثها تتلاحق تحت أعين الناس الذين يراقبون أداء الجميع? اللاعبين وطاقم التحكيم والمدربين? ولهم رأي في كل هؤلاء يمكن أن يبقي من أجاد ويقصي من أخطأ.
هذا بعض ما قلته قبل عدة أشهر? بمناسبة موسم انتخابات النوادي الرياضية? التي أعتبرها الانتخابات الوحيدة التي تجرى في مصر بنزاهة ودون تدخل من أجهزة الأمن.
وتمنيت وقتذاك أن تنتقل عدوى النزاهة من تلك النوادي إلى الانتخابات المحلية والتشريعية? ورغم أنني أدرك أننا في مصر محصنون ضد الإصابة بمختلف فيروسات الديمقراطية? إلا أنها حبكت معي حين وجدتهم يتحدثون عن شيخوخة المنتخب القومي? فتمنيت أن نطبق المعيار ذاته على منتخبنا السياسي? ليس أملا في تغيير شيء من أوضاعنا? ولكن من قبيل ممارسة الحرية الوحيدة التي مازلنا نمارسها ونحن مرتاحون? وهي حرية أن نحلم.