ساعة بلا فارس
لم تكن فكرة صعبة أو بالغة التعقيد تلك التي كانت متضمنة كل عام في البرنامج اليمني الأشهر” فرسان الميدان” ولكن كنه الحقيقة – وسر- سعة الانتشار للبرنامج هو شخصية المرحوم يحيى علاو وقدرته المعرفية وموسوعية فكره وثقافته وقبوله لدى الجماهير وهذه “هبة الخالق سبحانه” وبالتالي كنا نشاهد ذلك البناء الذي يبنيه بشكل سليم مذيعنا المرحوم في نفوس الناس على أسس من الثقة والدراية فقد كان في الميدان بمثابة عالم ولغوي وواعظ يشرح ويفسر ويدلل ويبرهن لمحتوى إجابة السؤال وكل ما يتعلق بها والشواهد الخاصة بها ?وبنفس القدر لم يكن متصنعا?ٍ قربه من الناس ولم تكن متكلفة بساطته بل تأتي على السياق الواقعي مقبولة إلى درجة كبيرة?كما أنه كان يتحدث لغة وسط يفهمها الجميع ويعود للفصحى المطلقة كلما استدعى الموقف أو نخبوية المتسابق ?ولعل كل ذلك مثل جزءا?ٍ كبيرا?ٍ من قبوله وقبل ذلك حرصه على تحسس حاجة المتسابقين الحقيقية ممن يطرح عليهم الأسئلة.
– من أجل كل ذلك نقول إنها ليست صعبة تلك الفكرة ولا جديدة على الأشكال البرامجية المعروفة ولهذا كان حريا?ٍ بأصحاب فكرة برنامج”ساعة سفر” ألا?ِ يتسرعوا في تنفيذ فكرة تستوحي “فرسان الميدان” وكان بإمكانهم التريث على الأقل عامين ثم يبادرون بفكرتهم حرصا?ٍ على عدم تعرضهم لنقد الجماهير على مستوى البلد??للأسف فقد جر?ِد أصحاب” ساعة سفر” ساعتهم وسفرهم من كل فوائد السفر ومتعة المشاهدة فليس سوى إطلالات عابرة وسطحية على بعض مناطقنا وطرح أسئلة وقراءة إجاباتها من الورق على طريقة “التهجي” والتعلم? وفقرات “كم وزنك ياعمة” وإلقاء التحيات والسلام وطلب التصفيق في كل حين ? والضحك في غير محله كان يسأل المذيع”ماسمش ياعمة” ثم يضحك!!
– ليست التلقائية والبساطة بجلوس القرفصاء في الشارع واحتضان الأطفال وترديد عبارات “وحشتوني” في عمق الأرياف اليمنية? والتودد إلى الأطفال بالتقبيل للمذيع واستجداء الناس بضرورة معرفة اسم المذيع? فحتى الآن مرت ساعة سفر بمعظم المحافظات اليمنية فهل سيجيبنا “المسافرون” ساعة?ٍ أين اختفى تاريخ الأشاعرة في زبيد? وأين توارى لديهم تاريخ “الزرانيق”? وكيف تناسوا جبال السلفية والجبين في ريمة? ثم هل يدركون مقدار ومستوى حجم الحركة العلمية لدى علماء ولغويي ريمة? وهل اختزلوا السياحة في ركوبهم على متن سيارة “البيجو” التي ودع المذيع المشاهدين من على متنها بأنه متجه صوب ريمة? ثم أين هي فترات التاريخ لقلعة القاهرة في تعز والأشرفية والمظفر وماذا تعني ساعة سفرهم بدون “جبل صبر” والضباب وورزان ?وهل الخصوصية السياحية تمثلت باعتلاء المذيع أحد فروع “شجرة الغريب” على طريقة مسلسلات الأطفال وهل لم ترق “يفرس” لتناولاته العابرة? وهل يدركون تاريخ “جبلة” ومتعة جبل بعدان وهل كان من اللائق اختزال وصف “السحول” بعبارات “ما أجمل المطر ومطر غزيرووو” وإلحاق ذلك بعبارات الصراخ والفرح بيم زخات المطر?? وهل يعي “المسافرون” دور الضالع التاريخي ومكانة القمندان والدان اللحجي وخصوصية مدينة الحوطة في لحج?وأهمية “عدن” عبر التاريخ وفرادة حضرموت فنا?ٍ ودانا?ٍ وأدبا?ٍ وشعرا?ٍ ومكانا?ْ وغير ذلك? أو ليس من حقنا كمشاهدين على هذا البرنامج أن نلمس حتى فائدة واحدة من فوائد السفر السبع???
– وحرصا?ٍ منا على تقييم مهني خالص فإنه لزام أن نشير إلى أن التعاطي مع أي مجتمع في أي رسالة إعلامية ينبغي أن يأخذ في الحسبان خصوصية ذلك المجتمع ومن أبجديات إنتاج رسالة إعلامية مفترضة مراعاة البيئة التي ست?ْنتج لها تلك الرسالة?هل هو مجتمع ريفي أم حضري متعلم أم أمي .. ونختم بالإشارة إلى أن سفرا?ٍ بلا فارس وخبير قد لا يتمكن من أي من فوائد السفر التي منها “اكتساب معارف” ودام الجميع بخير.
alsamdy@gmail.com