كارزاي… نموذجا?ٍ
ما أن بدأت واشنطن حربها ضد ما أسمته “الإرهاب”? وكان احتلال أفغانستان قبل حوالي العقد من الزمن الحلقة الأولى في حربها المتوسعة? كما?ٍ ونوعا?ٍ? حتى أطل اسم السيد كارزاي احد الموظفين الكبار في شركة أمريكية عملاقة? وزميل كونداليزاريس وزيرة خارجية جورج بوش في العمل? كمرشح لرئاسة الوزراء في بلد يحتله الجوع والفقر والقهر قبل أن يحتله جنود الأطلسي..
يومها بات اسم كارزاي صفة ينعت بها كل صنيعة للأجنبي? سواء من خلال الاحتلال أو غيره? وتكاثرت “كرازايات” عدة في منطقتنا بسرعة فائقة? وكاد كارزاي أن يصبح النموذج الوحيد للحاكم في وطننا العربي لولا شعوب قاومت? وبعض قادة مانعوا وصمدوا…
لكن من يتابع خطوات كارزاي لا سيما في الأشهر الأخيرة يلاحظ أن ربيب شركات النفط الأمريكية بات ينتهج سياسة متميزة إلى حد ما عن سياساته السابقة? وكأن من عرف كيف يركب القطار الأمريكي لحظة انطلاقه السريع? يعرف اليوم كيف يغادره قبيل تعثره الخطير.
فطالبان التي اعتبرها الحلف الأطلسي عنوانا?ٍ للإرهاب? وشن حربا?ٍ مستمرة عليها منذ تسع سنوات? (وامتدت حربه عليها إلى باكستان متسببا?ٍ باضطرابات كبرى? وتداعيات متوترة? في ذلك البلد الذي تحك?م ساسة واشنطن طويلا?ٍ بالقيمين عليه)? تجد نفسها أمام عروض سلام يقدمها إليها كارزاي عبر مجلس للسلام شكله من 50 شخصية افغانية حرص ان يكون بينها من له جسور قوية مع الحركة التي أثبتت إنها عصي?ة على الانهيار..
والشركات الأمنية الأمريكية? الذراع الإرهابي الضارب والعين الاستخباراتية السرية لقوات الاحتلال الأمريكية? تلقت من كارزاي أمرا?ٍ بتصفية أعمالها ومغادرة ارض أفغانستان قبل نهاية العام? لأنها حسب قوله “تعيق تطوير قدرات القوات الأمنية الأفغانية” وتمارس ” أعمالا?ٍ إرهابية ضد المدنيين الأفغان” (ألا تفسر هذه الاتهامات حماسة اوباما لسحب قواته القتالية من العراق وإبقاء شركاته الأمنية فيه ?)..
أما على الصعيد الاستراتيجي فلقد بدأ كارزاي يتوجه إلى موسكو ليقيم مع الاتحاد الروسي علاقات اقتصادية وأمنية وسياسية متطورة? فيما تتطور علاقاته بايران في الوقت الذي تسعى واشنطن إلى إحكام العزلة على طهران…
قد يكون وراء التحولات الإستراتيجية البطيئة لكارزاي نصيحة من جهة أمريكية نافذة تشير إليه إن “الدولة العظمى” لم تعد قادرة على حماية نظامه? وان كل ما يسمعه من اتهامات بالفساد غير المسبوق لحكومته ليس إلا مقدمة لغسل يد واشنطن وحلفائها من دعمه ثم تسليمه للمقادير..
ولكن قد يكون وراء هذه التحولات المتدرجة أيضا?ٍ “دهاء” رجل الأعمال البراغماتي الذي أجاد قراءة المتغيرات الجيوسياسية من حوله وأبرزها أن آسيا? ما عدا جيوب قليلة ومتناقصة? قد تصبح قريبا?ٍ قارة خالية من النفوذ الأمريكي خصوصا?ٍ مع نمو العملاق الاقتصادي الخارج من الصين واليابان? ومع التطور المتنامي والمتسارع في القارة الهندية? ومع “الشغب” النووي الكوري الشمالي? ومع عودة النفوذ الروسي إلى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية? ومع الصمود الإيراني بوجه الحصار والضغوط? ومع تصاعد النهج الاستقلالي في تركيا? ومع تجاوز سوريا ومعها لبنان للعزلة كما لفتنة خطيرة كانوا يحضرون لها? ومع تحول العراق بفضل مقاومته الباسلة إلى مقبرة للأحلام الإمبراطورية الأمريكية? ومع اهتزاز بنيوي في الكيان الصهيوني لن توقفه محادثات أو مناورات أو حتى اعتداءات على فلسطين أو على أي دولة من دول المنطقة.
كارزاي أدرك ان العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين مختلف جذريا?ٍ عن العقد الاول? وان موازين القوى إلى تبدل? وموازين الإرادات إلى تقدم? وان من كان مهيمنا?ٍ بالامس بات مرتبكا?ٍ? مطاردا?ٍ? مهددا?ٍ في سطوته اليوم.
فهل يدرك الكارزايات الآخرون? وأنصاف الكارزايات وأرباع الكارزايات حجم التبدل والتحول في عالم تختلف محركاته والعناصر الفاعلة فيه عن عالم الأمس..
هل يحاول هؤلاء أن يذوقوا طعم الاستقلالية الممهورة بالعنفوان والكرامة? فيقولون لإملاءات واشنطن وأخواتها وضغوطهم مرة واحدة: لا …? لا في فلسطين? لا في العراق? لا في الصومال? لا في أقطارنا الكبير منها قبل الصغير.
جر?بوا “أللا” مرة واحدة .. يتهافت على استرضائكم أعداء الأمة والوطن…