بيروت منزوعة التحريض
لقد تعل?م من يريد التعل?م من اللبنانيين إن أي شعار أو مطلب مهما بدا صحيحا?ٍ أو محقا?ٍ في مظهره يجب أن يمر باختبار الوحدة الوطنية اللبنانية? فصحته وأحقيته تتقرران في ضوء معيار واحد: هل يقربنا الشعار من هذه الوحدة أم يبعدنا عنها? هل يعم?ق الشعار الانقسام بين اللبنانيين أم يجس?ر الهوة بينهم.
وفي الذاكرة اللبنانية المعاصرة? كما القديمة? شعارات عديدة كانت تبدو ب?راقة جذابة لكنها كانت سببا?ٍ في إثارة فتنة أو احتراب أو انقسام? فتحت شعار “السيادة” الذي لا يختلف على أهميته مواطنان كان استدعاء العدو الإسرائيلي عام 1982 ليحتل أجزاء كبيرة من لبنان بما فيها عاصمته الجميلة “النو?ارة” ? التي كانت تخوض في مثل هذه الأيام قبل 28 سنة اشرف معاركها بسلاح أبنائها ومقاوميها الأبطال الذين قضى بعضهم شهيدا? وما زال البعض الآخر ينتظر وما بدلوا تبديلا?ٍ.
وفي ظل شعار “تنفيذ القرارات الدولية”? وفيها ما يستحق فعلا?ٍ التنفيذ “كالقرار الخاص بحق العودة”? جرى التسويق للقرار 1559 الذي وصفناه لحظة صدوره بان “القرار – الفتنة” ليدخل بعده لبنان بعض أصعب أيامه وأبشعها خصوصا?ٍ مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه? وليكتشف الجميع إن المهمة الوحيدة لذلك القرار كانت في تجريد لبنان من عناصر وحدته وقوته ومقاومته وعلاقته مع سوريا ليبقى مكشوفا?ٍ أمام العدو الصهيوني وقد ملأ الحياة اللبنانية بشبكاته التجسيسية? بعد أن حاول تدميرنا باعتداءاته.
وشعار “بيروت منزوعة السلاح”? المرفوع اليوم? له بدون شك جاذبيته لدى المواطن البيروتي? كما لدى المقيم في مدينة مفتوحة القلب والصدر والعقل لكل أبناء الوطن والأمة? ولكن هذا الشعار لم يرفع للمرة الأولى في بيروت بل سبق أن رفعه البعض عشية الغزو الصهيوني للبنان? متوهما?ٍ إن مشكلة العاصمة? ومعها الوطن? هي في فلتان السلاح فقط? وهو فلتان غير مقبول أو مبرر بأي حال من الأحوال? وهو مسيء للجهة المسؤولة عنه قبل غيرها? ليكتشف إن المشكلة الأكبر تكمن في مطامع عدو لم يرحم العاصمة ولا الوطن في غزوه واحتلاله ومجازره كما في الحروب المتعددة التي اشرف على تنظيمها فشهد لبنان بعد غزو 1982 أبشع أنواع حروبه الداخلية وأشرسها? واكبر موجات التهجير التي جرى إقفال آخر ملفاتها بالأمس القريب في بلدة بريح الشوفيه.
يبقى السؤال اذن هل يسهم رفع هذا الشعار? لا سي?ما بعد الأحداث الأليمة التي شهدتها العاصمة? في تخفيف الاحتقان الداخلي وفي معالجة تداعيات الأحداث? أم انه يصب المزيد من الزيت على نار الفتنة والانقسام? خصوصا?ٍ حين يقد?م كشعار فئوي لا كشعار وطني جامع… يستخدم في إطار الكيدية السياسية لا في إطار تجسير الفجوة بين أبناء وطن واحد? وشعب واحد? ومصير واحد.
وبمقدار ما يبدو الشعار واضحا?ٍ في بساطته ومظهره? فانه يخفي? بالإضافة إلى ما ينطوي عليه من تحريض? مجموعة من التعقيدات العملية العديدة في حال الشروع بتنفيذه… وقد جرى طرح العديد من الأسئلة حولها في الآونة الأخيرة.
فلماذا بيروت وحدها منزوعة السلاح? وليس كل المناطق الأخرى في لبنان? وهل سحب السلاح اليوم من العاصمة يحول دون تدفقه إليها غدا?ٍ من بقية “المناطق” غير المجردة من السلاح.
وكيف يتم نزع السلاح من العاصمة? أيتم بالقوة وحينها نكون قد دخلنا بالمحظور الدامي والمدمر? أم يتم بالتفاهم والتراضي والاتفاق وهذا يحتاج بالتأكيد إلى مناخ سياسي مختلف عن المناخ الحالي المليء بكل أنواع التحريض والكيدية السياسية?
ثم هل يضمن أصحاب هذا الشعار سلامة العاصمة نفسها من أي عدوان صهيوني محتمل? خصوصا?ٍ إن ساحل العاصمة ممتد ومكشوف وقد دخل منه العدو أكثر من مرة لينفذ عمليات إرهابية كما جرى في 10 نيسان 1973 في عملية فردان التي استشهد فيها? وعلى يد باراك نفسه وزير دفاع العدو الحالي? ثلاثة من ابرز القادة الفلسطينيين (كمال ناصر? كمال عدوان? أبو يوسف النجار)? وكما جرى في الليل ذاته إنزال مماثل في مرفأ الاوزاعي أدى كذلك إلى سقوط شهداء لبنانيين وفلسطينيين? وكما جرى على امتداد السنوات الأخيرة من دخول مجموعات استخبارية صهيونية مسلحة عبر البحر وانتشارهم في الأراضي اللبنانية ثم خروجهم بتسهيل من عملائهم والجواسيس في الداخل?!
وهل يضمن أصحاب هذا الشعار ألا تتقدم بوارج العدو? ناهيك عن طائراته? باتجاه ساحل بيروت فتقصف العاصمة بحرا?ٍ? بل وتنزل قواته لمحاصرتها? كما كانت تفعل طيلة أيام الغزو 1982? بل تدمر في قصفها المباني والمؤسسات جنبا?ٍ إلى جنب مع القصف الجوي والبري? حتى كان ذاك اليوم البه?ي في حياة بيروت والمقاومة في تموز 2006 يوم أخرج صاروخ انطلق من قلب العاصمة سلاح البحرية الصهيونية من المعركة العدوانية على لبنان?
طبعا?ٍ? لا نطرح هذه الأسئلة بهدف التقليل مما شهدته العاصمة قبل أسبوع من أحداث بالغة الخطورة? وخطورتها ما زالت تتدحرج حتى الساعة? فموقفنا تجاه هذا الأمر معروف? وهو يتلخص بدعوة الجميع إلى المراجعة الجذرية والجريئة. فالبع