أحداث برج أبو حيدر.. بين التحقيق المطلوب… والمراجعة الواجبة
إذا كان ما شهدته العاصمة من أحداث مؤلمة بعد غروب الثلاثاء (24/8/2010) الفائت هو أمر م?ْد?بر من فريق ثالث غير الفريقين المعنيين مباشرة بالحادث ( حزب الله وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية) فذلك أمر بالغ الخطورة دون شك… خصوصا?ٍ أن الفريقين هم أبناء صف وطني وإسلامي واحد.
أما إذا كان الحادث فرديا?ٍ? كما يقول المعنيون بالأمر? وأطلق كل ما أطلقه من تداعيات كمصرع أربعة من خيرة شباب الوطن? كان يحب?هم كل من يعرفهم ويع?لق على عطائهم الآمال الكبار? وكاشتباكات واستنفارات طالت مناطق قريبة وبعيدة عن مركز الحدث (محلة برج أبو حيدر)? وكالتعرض لاماكن دينية ومؤسسات تعليمية وتجارية وبيوت عادية? فإن الأمر سيصبح أكثر خطورة بكثير لأنه يكشف أمرين في آن: حجم الاحتقان في الشارع ? وحجم الانفلات الأمني معا?ٍ.
وإذا كان التحقيق الأمني والقضائي والتنظيمي مطلوبا?ٍ لمعرفة حقيقة ما جرى? وتحديد المسؤوليات? ولضمان عدم تكرار ما جرى? ولوضع حد?ُ لكل التأويلات والتحليلات التي راجت لتزرع بذور الشك والفتنة? فان الواجب يقتضي أيضا قيام مراجعة سياسية جريئة وجذرية من قبل كل الجهات المعنية بأمن العاصمة خصوصا?ٍ والأمن الوطني عموما?ٍ? رسمية وأهلية? لأن ما جرى كان إنذارا خطيرا?ٍ يكشف عمق الخلل القائم في العلاقات الشعبية? وينذر بتداعيات أكثر خطورة على الجميع.
واذا كانت المراجعة واجبة على الجميع? لا سي?ما الذين يطلقون تصريحات التحريض بكل نبراتها? بكل ما يقود إليه هذا التحريض من تعبئة طائفية ومذهبية تحول البلاد إلى برميل من البارود يسهل تفجيره في أي لحظة? فان هذه المراجعة واجبة بشكل خاص على الصف الوطني المقاوم الذي يتحمل مسؤوليات كبرى? وطنية وقومية وإسلامية ودولية ? سواء في مجال مقاومة الأعداء الصهاينة ومن وراءهم? أو في مجال تحصين المقاومة بوجه كل من يحاول النفاذ من ثغرة هنا أو هناك ليحقق بالفتنة ما عجز عن تحقيقه العدوان.
ولقد بات واضحا?ٍ على مدى السنوات الخمس والني?ف التي أعقبت الزلزال الذي عصف في البلاد منذ القرار – الفتنة 1559 ?إلى اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه إلى حرب تموز 2006? إن أداء الصف المقاوم? خصوصا?ٍ في السياسات الداخلية? لم يكن دائما?ٍ بمستوى الخيار الاستراتيجي والتاريخي الذي اعتمده هذا الصف وحق?ق نجاحات كبرى في ضوئه لا سيما في مواجهة العدوان عام 2006? أو في صون العلاقات مع سوريا? أو في سلامة القراءة الشاملة والدقيقة الشاملة فلم تخطئ بوصلة هذا الاتجاه لا مبدئيا?ٍ ولا وطنيا?ٍ ولا استراتيجيا?ٍ رغم التعثر الذي وقع به أحيانا.
أن هذه المراجعة الجريئة والجذرية لبعض الأداء السياسي الداخلي للصف الوطني المقاوم? والتي باتت عناوينها معروفة (وليس الآن وقت الحديث عنها) ? ليست فقط الضمانة لعدم تكرار ما حدث? ولمعالجة الاحتقان المتزايد في الشارع رغم كل مظاهر “الوفاق” الفوقي التي تطل علينا في الصالونات أو عبر الشاشات? بل هي أيضا?ٍ الطريق الأسلم لتحقيق نقلة نوعية في العلاقات الداخلية بين أطراف الصف الوطني المقاوم من جهة كما للارتقاء بالأداء السياسي لهذا الصف ذي المشارب والاتجاهات المتعددة لكي يكون بمستوى التحدي الكبير على مستوى المواجهة مع العدو.
والمراجعة المطلوبة ليست سياسية فقط? بل هي أيضا?ٍ فكرية وثقافية وبنيوية وتنظيمية? هي في النظرة للدولة ومؤسساتها. كما للمجتمع ومكوناته? وهي بشكل خاص في فهم خصوصيات المجتمع اللبناني وتعقيداته. فلا يكتفي كل فريق بمسايرة البيئة التي ينتمي إليها أو يتعصب لها? بل يسعى إلى فهم البيئات الأخرى ليتكامل معها فيحفظ الوطن كله? ويحافظ على بيئته بنوع خاص..
وإذا كانت معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي استقر عليها غالبية اللبنانيين الذين رأوا فيها ضمانة لاستقرار ممهور بالكرامة والعز?ة والشرف الوطني? فان معادلة الأعداء الصهاينة ومن يدعمهم تقوم بالمقابل على استنزاف المقاومة وتشويه صورتها? وعلى إضعاف الجيش ومنع تسليحه? وعلى تفتيت الشعب وإشغاله باحتراب أهلي لا نهاية له.
لحماية المعادلة الوطنية? ولمواجهة معادلة الأعداء? لا بد من ورشات “عصف أدمغة” (كما يقول الأجانب) يشارك فيها أصحاب خبرة وتجربة وباع طويل في الحياة اللبنانية والعربية والدولية? يتحاورون ويتصارحون? يصدقون بعضهم القول ولا ينافقون أو يجاملون. يخرجون برؤية شاملة? وبرنامج عمل متكامل? وقدرة على إنقاذ الوطن من فتنة دهماء يحض?رون لها بكل الوسائل والأساليب والإمكانيات? خصوصا?ٍ أن المشهد الذي رأيناه بالأمس في عاصمتنا الحبيبة بيروت قد رأيناه على مدى عقود فيها? وفي كل أرجاء لبنان? فكانت تنكفئ بسببه قوى وتتقدم قوى إلى الواجهة? لكن الوطن كان يتراجع باستمرار.