18 يوليو 1987 – 27 سبتمبر 2006 .. بين خطاب المقدم وخطاب المشير
جاء الرئيس علي عبد الله صالح إلى الحكم بعد أربعة رؤساء تداولوا كرسي الرئاسة من بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م.
اثنان من هؤلاء تم الانقلاب عليهما على التوالي وهما: عبد الله السلال وعبد الرحمن الإرياني. أما الآخران فقد اغتيلا على التوالي أيضا وهما: إبراهيم الحمدي? وأحمد حسين الغشمي. لكن وحتى اليوم? ما يزال الرئيس علي عبد الله صالح يحكم اليمن منذ 30 عاما?ٍ? وهي فترة بلغت الضعف لتلك الفترة التي قضاها أسلافه الأربعة.
لا شك أنها فترة مليئة بالأحداث والمتغيرات? على أن أهم ما فيها – كما يقول الساسة – هو قدرته [الرئيس صالح] في المحافظة على هذا الموقع. وبتعبير آخر- كما يحلو له شخصيا?ٍ وصف الوضع-: قدرته في الرقص على "رؤوس الثعابين" طوال تلك الحقبة التي تساوي في عمر الشعوب عمر "جيل" بأكمله.
لقد كتب كثيرون عن هذه الفترة? متنوعين بين مادح و ذام? مفاخر ومنتقد.. لكن أحدا?ٍ لم يشكك بكونه ذكيا?ٍ استطاع بشكل تدريجي أن ينتزع فتيل تلك القنابل الموقوتة التي اتسمت بها اليمن على مدى السنوات التي خلت من الثورة إلى ما قبل اعتلائه كرسي الحكم بشجاعة (تمثلت أهم تلك الصراعات بين ثلاثة اتجاهات مؤثرة: المؤسسة العسكرية? القبيلة? المثقفين والمجتمع المدني بقواه اليسارية والقومية والإسلامية). إنها 32عاما?ٍ من عمر اليمن? تبدو وكأنها اختزلت في كيفية تحقيق الاستقرار الشخصي? والحفاظ على كرسي الرئاسة..!!
ومع ذلك من المجحف التأكيد أنها لم تتسم بالإنجاز? غير أنه ليس من الإنصاف الحديث عن أن ما تحقق كان كبيرا?ٍ ومتسقا?ٍ مع كل تلك المدة..!!
ما بين خطابين:
لعلنا هنا نستطيع – إلى حد ما – مقاربة بعض الحقيقة لما تحقق بعد 32 عاما من الرئاسة? عبر اختزال الزمن بخطابين رئاسيين? تضمن كلاهما أولويات الرئيس للمرحلة القادمة. الخطاب الأول كان بتاريخ 18 يوليو 1978م وألقاه الرئيس أمام مجلس الشعب التأسيسي بعد يوم واحد لمنحه الثقة من المجلس كرئيس للجمهورية.
بينما كان الخطاب الثاني بتاريخ 27 سبتمبر 2006م? أمام أعضاء مجلس النواب? بعد انتخابه رئيسا?ٍ من الشعب. كلا الخطابين? تقرر إلقاؤهما عقب جلسة تأدية اليمين الدستورية? وفيهما تحدث الرئيس عن الأوضاع الحالية للبلاد? وأفصح عن أولوياته للمرحلة القادمة. في خطاب يوليو 78 كان المقدم علي عبد الله صالح ضعيفا?ٍ إذ يتحدث مفتتحا?ٍ يومه الأول في الرئاسة? بينما في خطاب سبتمبر 2006 كان "المشير" في أوج قوته إذ يتحدث وقد مر عليه 28 عاما?ٍ على كرسي "من نار" لم يمسه منها حتى شرارة واحدة.
في خطابه الأول كان مجلس الشعب التأسيسي قد منحه الثقة على مضض مع وصفة تضمنت شروطا?ٍ بعينها. أما في الخطاب الأخير? فقد منحه الشعب تلك الثقة بشروطه هو (عبر برنامجه الانتخابي). لذلك كان المقدم علي عبد الله صالح في خطابه الأول يخاطب ويشكر مجلس الشعب الذي منحه الثقة? أما هنا فكان حري به أن يوجه خطابه وشكره إلى الشعب عامة.
لكن وبالمجمل? ما الذي تغير بين الخطابين? ما الذي قاله الرئيس هناك وأعاد الحديث عنه هنا بعد كل تلك المدة? وما الذي قاله ولم يقله اليوم? هذا ما سنحاول الوقوف عليه فيما تبقى لنا من مساحة متاحة. وليست المقارنة بحد ذاتها هدفا?ٍ رئيسيا?ٍ? إنما علينا أن نكون متعاونين لنصل إلى ما وراء تلك المقارنة.
كنا لتونا خرجنا من عملية اغتيال سريعة لم تترك للرئيس الغشمي التقاط أنفاسه? وكان الغشمي نفسه قد اعتلى الحكم عقب اغتيال الرئيس الحمدي الذي عرف قيامه بحركة تصحيحية كبيرة سعى من خلالها إلى تغيير الأوضاع المتردية.
وفيما اعتبرت أهداف الثورة موروثا?ٍ جماعيا?ٍ يجب الحفاظ عليه? فقد أضيف إليها موروث آخر تمثل بحركة 13 يونيو التصحيحية (وهي حركة الانقلاب السلمية التي نفذت على الرئيس الأسبق عبد الرحمن الإرياني في 13 يونيو 1974).ولذلك فإن المقدم علي عبد الله صالح? وفي خطابه الأول? أعلن أنه سيبذل جهده وطاقته من أجل الحفاظ على أهداف ومبادئ ثورة سبتمبر? مضيفا?ٍ إليها الموروث الجديد: الحفاظ على تطلعات حركة 13 يونيو المباركة.
وفي المجال التنموي والسياسي أكد الإصرار على مواصلة مسيرة التنمية الشاملة في إطار من الحرية والديمقراطية? إلى جانب "رعاية ودعم الحركة التعاونية و الدفع بعملية التصحيح وصولا إلى بناء الدولة المركزية الحديثة دولة النظام والقانون".
وفي الحقيقة فقد واصل الرئيس دعم الحركة التعاونية إلى حد ما? لكن المعلوم أن تلك الرعاية لم تستمر كثيرا?ٍ? حتى انتهت تلك التعاونيات على الرغم من أنها أثبتت نجاحا?ٍ كبيرا?ٍ في خدمة المواطن اليمني ف